ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة .
فيها وقع بين الخليفة الراشد وبين السلطان مسعود بسبب أنه أرسل إلى الخليفة يطلب منه ما كان كتبه له والده المسترشد حين أسره إلتزم له بأربعمائة ألف دينار فامتنع من ذلك وقال ليس بيننا وبينكم إلا السيف فوقع بينهما الخلف فاستجاش السلطان بالعساكر واستنهض الخليفة الأمراء وارسل إلى عمادالدين زنكي فجاء والتف على الخليفة خلائق وجاء في غضون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه فخطب له الخليفة ببغداد وخلع عليه وبايعه على الملك فتأكدت الوحشة بين السلطان والخليفة جدا وبرز الخليفة إلى ظاهر بغداد ومشى الجيش بين يديه كما كانوا يعاملون أباه وذلك يوم الأربعاء سلخ شعبان وخرج السلطان داود من جانب آخر فلما بلغهم كثرة جيوش السلطان محمود حسن عمادالدين زنكي للخليفة أن يذهب معه إلى الموصل واتفق دخول مسعود إلى بغداد في غيبتهم يوم الإثنين رابع شوال فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحلي والمصاغ والثياب التي للزينة وغير ذلك وجمع القضاة والفقهاء وابرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه فخلع في يوم الإثنين سادس عشر شهر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء وكانت خلافته إحدى عشر شهرا وإحدى عشر يوما واستدعى السلطان بعمه المقتفى بن المستظهر فبويع بالخلافة عوضا عن ابن أخيه الراشد بالله .
خلافة المقتفى لأمر الله .
أبي عبدالله بن المستظهر وأمه صفراء تسمى نسيما ويقال لها ست السادة وله من العمر يومئذ أربعون سنة بويع بالخلافة بعد خلع الراشد بيومين وخطب له على المنابر يوم الجمعة لعشرين من ذي القعدة ولقب بالمقتفى لأنه يقال إنه رأى رسول الله ( ص ) وهو في المنام وهويقول له سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي فصار إليه بعد ستة أيام فلقب بذلك .
فائدة حسنة ينبغي التنبه لها .
ولي المقتفي والمسترشد الخلافة وكانا أخوين وكذلك السفاح والمنصور وكذلك الهادي والرشيد أبنا المهدي وكذلك الواثق والمتوكل أبنا المعتصم أخوان وأما ثلاثة إخوة فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد والراضي والمقتفي والمطيع بنو المقتدر وأما أربعة إخوة فلم يكن إلا في بني أمية وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبدالملك بن مروان ولما استقر المقتفي بالخلافة استمر الراشد ذاهبا إلى الموصل صحبة صاحبها عمادالدين زنكي فدخلها في ذي الحجة من هذه السنة