وقتلوا منهم خلقا كثيرا واسروا الخليفة ثم نهبت أموالهم وحواصلهم من جملة ذلك أربعة آلاف ألف دينار وغير ذلك من الأثاث والخلع والآنية والقماش فإنا لله وإنا إليه راجعون وطار الخبر في الأقاليم بذلك وحين بلغ الخبر إلى بغداد انزعج الناس لذلك وزلزلوا زلزالا شديدا صورة ومعنى وجاءت العامة إلى المنابر فكسروها وامتنعوا من حضور الجماعات وخرج النساء في البلد حاسرات ينحن على الخليفة وما جرى عليه من الأسر وتأسى بأهل بغداد في ذلك خلق كثير من أهل البلاد وتمت فتنة كبيرة وانتشرت في الأقاليم واستمر الحال على ذلك شهر ذي القعدة والشناعة في الأقاليم منتشرة فكتب الملك سنجر إلى ابن أخيه يحذره غب ذلك عاقبة ما وقع فيه من الأمر العظيم ويأمره أن يعيد الخليفة إلى مكانه ودار خلافته فامتثل الملك مسعود ذلك وضرب للخليفة سرادق عظيم ونصب له فيه قبة عظيمة وتحتها سرير هائل وألبس السواد على عادته وأركبه بعض ما كان يركبه من مراكبه وامسك لجام الفرس ومشى في خدمته والجيش كلهم مشاة حتى أجلس الخليفة على سريره ووقف الملك مسعود فقبل الأرض بين يديه وخلع الخليفة عليه وجيء بدبيس مكتوفا وعن يمينه أميران وعن يساره أميران وسيف مسلول ونسعة بيضاء فطرح بين يدي الخليفة ماذا يرسم تطبيبا لقلبه فأقبل السلطان فشفع في دبيس وهو ملقى يقول العفو يا أمير المؤمنين أنا أخطأت والعفو عند المقدرة فأمر الخليفة بإطلاقه وهو يقول لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فنهض قائما والتمس أن يقبل يد الخليفة فأذن له فقبلها وأمرها على وجهه وصدره وسأل العفو عنه وعما كان منه واستقر الأمر على ذلك وطار هذا الخبر في الآفاق وفرح الناس بذلك فلما كان مستهل ذي الحجة جاءت الرسل من جهة الملك سنجر إلى ابن أخيه يستحثه على الإحسان إلى الخليفة وأن يبادر إلى سرعة رده إلى وطنه وأرسل مع الرسل جيشا ليكونوا في خدمة الخليفة إلى بغداد فصحب الجيش عشرة من الباطنية فلما وصل الجيش حملوا على الخليفة فقتلوه في خيمته وقطعوه قطعا ولم يلحق الناس منه إلا الرسوم وقتلوا معه أصحابه منهم عبيدالله بن سكينة ثم أخذ أولئك الباطنية فأحرقوا قبحهم الله وقيل إنهم كانوا مجهزين لقتله فالله أعلم وطار هذا الخبر في الآفاق فاشتد حزن الناس على الخليفة المسترشد وخرجت النساء في بغداد حاسرات عن وجوههن ينحن في الطرقات قتل على باب مراغة في يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة وحملت أعضاؤه إلى بغداد وعمل عزاؤه ثلاثة أيام بعد ما بويع لولده الراشد وقد كان المسترشد شجاعا مقداما بعيد الهمة فصيحا بليغا عذب الكلام حسن الإيراد مليح الخط كثير العبادة محببا إلى العامة والخاصة وهو آخر خليفة رؤى خطيبا قتل وعمره خمس وأربعون سنة وثلاثة أشهر وكانت مدة خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما وكانت أمه أم ولد من الأتراك