ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وخمسمائة .
فيها كانت الحروب الشديدة بين السلطان محمود بن محمد وبين عمه السلطان سنجر بن ملكشاه وكان النصر فيها لسنجر فخطب له ببغداد في سادس عشر جمادي الأولى من هذه السنة وقطعت خطبة ابن أخيه في سائر اعماله وفيها سارت الفرنج إلى مدينة حلب ففتحوها عنوة وملكوها وقتلوا من أهلها خلقا فسار إليهم صاحب ماردين إيلغازي بن ارتق في جيش كثيف فهزمهم ولحقهم إلى جبل قد تحصنوا به فقتل منهم هنالك مقتلة عظيمة ولله الحمد ولم يفلت منهم إلا اليسير وأسر من مقدميهم نيفا وتسعين رجلا وقتل فيمن قتل سيرجال صاحب إنطاكية وحمل رأسه إلى بغداد فقال بعض الشعراء في ذلك وقد بالغ مبالغة فاحشة ... قل ما تشاء فقولك المقبول ... وعليك بعد الخالق التعويل ... واستبشر القرآن حين نصرته ... وبكي لفقد رجاله الانجيل ... وفيها قتل الأمير منكوبرس الذي كان شحنة بغداد وكان ظالما غاشما سئ السيرة قتله السلطان محمود بن محمد صبرا بين يديه لأمور منها أنه تزوج سرية أبيه قبل انقضاء عدتها ونعم ما فعل وقد اراح الله المسلمين منه ما كان أظلمه واغشمه وفيها تولى قضاء قضاة بغداد الأكمل أبو القاسم ابن علي بن أبي طالب بن محمد الزينبي وخلع عليه بعد موت أبي الحسن الدامغاني وفيها ظهر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام وقبر ولديه إسحاق ويعقوب وشاهد ذلك الناس ولم تبل أجسادهم وعندهم قناديل من ذهب وفضة ذكر ذلك ابن الخازن في تاريخه وأطال نقله من المنتظم لابن الجوزي والله أعلم وممن توفي فيها من الأعيان .
ابن عقيل .
على بن عقيل بن محمد أبو الوفا شيخ الحنابلة ببغداد وصاحب الفنون وغيرها من التصانيف المفيدة ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن على ابن سبطا وسمع الحديث الكثير وتفقه بالقاضي أبي يعلى بن الفراء وقرأ الأدب على ابن برهان والفرائض على عبد الملك الهمداني والوعظ على أبي طاهر بن العلاف صاحب ابن سمعون والأصول على أبي الوليد المعتزلي وكان يجتمع بجميع العلماء من كل مذهب فربما لامه بعض أصحابه فلا يلوي عليهم فلهذا برز على أقرانه وساد أهل زمانه في فنون كثيرة مع صيانة وديانة وحسن صورة وكثرة اشتغال وقد وعظ في بعض الأحيان فوقعت فتنة فترك ذلك وقد متعه الله بجميع حواسه إلى حين موته توفي بكرة الجمعة ثاني جمادى الأولى من هذه السنة وقد جاوز الثمانين وكانت جنازته حافلة جدا ودفن قريبا من قبر الإمام أحمد إلى جانب الخادم مخلص C