الثلاثاء الثامن عشر من المحرم وصلى عليه ولده الخليفة وحضر الناس ولم يحضر السلطان وحضر أكثر أمرائه وحضر الغزالى والشاشى وابن عقيل وبايعوه يوم ذلك وقد كان المستظهر كريم الأخلاق حافظا للقرآن فصيحا بليغا شاعرا منطيقا ومن لطيف شعره قوله ... أذاب حر الجوى في القلب ما جمدا ... يوما مددت على رسم الوداع يدا ... فكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق من يهوى الهوى قددا ... قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به ... من بعد ما قد وفى دهرا بما وعدا ... إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي ... من بعد هذا فلا عاينته أبدا ... .
وفوض المستظهر أمور الخلافة إلى وزيره أبي منصور عميد الدولة بن جهير فدبرها أحسن تدبير ومهد الأمور أتم تمهيد وساس الرعايا وكان من خيار الوزراء وفي ثالث عشر شعبان عزل الخليفة أبا بكر الشاشي عن القضاء وفوضه إلى أبي الحسن ابن الدامغاني وفيها وقعت فتنة بين السنة والروافض فأحرقت محال كثيرة وقتل ناس كثير فإن لله وأنا إليه راجعون ولم يحج أحد لاختلاف السلاطين وكانت الخطبة للسلطان بركيارق ركن الدولة يوم الجمعة الرابع عشر من المحرم وهو اليوم الذي توفي فيه الخليفة المقتدي بعد ما علم على توقيعه وممن توفي فيها من الأعيان .
اقسنقر الأتابك .
الملقب قسيم الدولة السلجوقي ويعرف بالحاجب صاحب حلب وديار بكر والجزيرة وهو جد الملك نور الدين الشهيد بن زنكي بن اقسنقر كان أولا من أخص أصحاب السلطان ملكشاه بن الب أرسلان السلجوقي ثم ترقت منزلته عنده حتى أعطاه حلب وأعمالها بإشارة الوزير نظام الملك وكان من أحسن الملوك سيرة وأجودهم سريرة وكانت الرعية معه في أمن ورخص وعدل ثم كان موته على يد السلطان تاج الدولة تتش صاحب دمشق وذلك انه أستعان به وبصاحب حران والرها على قتال ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه ففرا عنه وتركاه فهرب إلى دمشق فلما تمكن ورجعا قاتلهما بباب حلب فقتلهما وأخذ بلادهما إلا حلب فأنها استقرت لولد آقسنقر زنكي فيما بعد وذلك في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة كما سيأتي بيانه وذكر ابن خلكان أنه كان مملوكا للسلطان ملكشاه هو وبوزان صاحب الرها فلما ملك تتش حلب استنابه بها فعصى عليه فقصده وكان قد ملك دمشق أيضا فقاتله فقتله في هذه السنة في جمادي الأولى منها فلما قتل دفنه ولده عماد الدين زنكي وهو أبو نور الدين فقبره بحلب أدخله إليها من فوق الصور فدفنه بها .
أمير الجيوش بدر الجمالي صاحب جيوش مصر ومدبر الممالك الفاطمية كان عاقلا كريما محبا للعلماء ولهم عليه رسوم داره