قيل له إن القبح في هذا أكثر من المصلحة فتركه ثم ركب إلى زيارة المشهد بالكوفة وعزم على عبور نهر جعفر ليسوق إلى الحائر لوفاء نذر كان عليه وأمر بأن تنقل جثة ابن مسلمة إلى ما يقارب الحريم الظاهري وأن تنصب على دجلة وكتبت إليه أم الخليفة وكانت عجوزا كبيرة قد بلغت التسعين وهي مختفية في مكان تشكو إليه الحاجة والفقر وضيق الحال فأرسل إليها من نقلها إلى الحريم وأخدمها جاريتين ورتب لها كل يوم اثني عشر رطلا من خبز وأربعة أرطال من لحم فصل ولما خلص السلطان طغرلبك من حصره بهمذان وأسر أخاه إبراهيم وقتله وتمكن في أمره وطابت نفسه ولم يبق له في تلك البلاد منازع كتب إلى قريش بن بدران يأمره بأن يعيد الخليفة إلى وطنه وداره وتوعده على أنه إن لم يفعل ذلك وإلا أحل به بأسا شديدا فكتب إليه قريش يتلطف به ويدخل عليه ويقول أنا معك على البساسيري بكل ما أقدر عليه حتى يمكنك الله منه ولكن أخشى أن أتسرع في أمر يكون فيه على الخليفة مفسدة أو تبدر إليه بادرة سوء يكون على عارها ولكن سأعمل على ما أمرتني به بكل ما يمكنني وأمر برد امرأة الخليفة خاتون إلى دارها وقرارها ثم إنه راسل البساسيري بعود الخليفة إلى داره وخوفه من جهة الملك طغرلبك وقال له فيما قال إنك دعوتنا إلى طاعة المستنصر الفاطمي وبيننا وبينه ستمائة فرسخ ولم يأتنا رسول ولا أحد من عنده ولم يفكر في شيء مما ارسلنا إليه وهذا الملك من ورائنا بالمرصاد قريب منا وقد جاءني منه كتاب عنوانه إلى الأمير الجليل علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران مولى أمير المؤمنين من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب طغرلبك أبي طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق وعلى رأس الكتاب العلامة السلطانية بخط السلطان حسبي الله ونعم الوكيل وكان في الكتاب والآن قد سرت بنا المقادير إلى هلاك كل عدو في الدين ولم يبق علينا في المهمات إلا خدمة سيدنا ومولانا القائم بأمر الله أمير المؤمنين وإطلاع أبهة إمامته على سرير عزه فإن الذي يلزمنا ذلك ولا فسحة في التقصير فيه ساعة من الزمان وقد أقبلنا بجنود المشرق وخيولها إلى هذا المهم العظيم ونريد من الأمير الجليل علم الدين إبانة النجح الذي وفق له وتفرد به وهو أن يتم وفاءه من إقامته وخدمته في باب سيدنا ومولانا أمير المؤمنين إما أن يأتي به مكرما في عزه وإمامته إلى موقف خلافته من مدينة السلام ويتمثل بين يديه متوليا أمره ومنفذا حكمه وشاهرا سيفه وقلمه وذلك المراد وهوخليفتنا وتلك الخدمة بعض ما يجيب له ونحن نوليك العراق بأسرها ونصفي لك مشارع برها وبحرها لا يطؤها حافر خيل من خيول العجم