ومنها في ذم الدنيا ... جبلت على كدر وأنت ترومها ... صفوا من الأقذار والأكدار ... ومكاف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار ... وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء شفير هار ... ومنها قوله في ولده بعد موته ... جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري ... وقد ذكر ابن خلكان أنه رآه بعضهم في المنام في هيئة حسنة فقال له بعض أصحابه بم نلت هذا فقال بهذا البيت ... شتان بين جواره وجواري ... .
ثم دخلت سنة سبع عشرة وأربعمائة .
في العشرين من محرمها وقعت فتنة بين الإسفهلارية وبين العيارين وركبت لهم الأتراك بالدبابات كما يفعل في الحرب وأحرقت دور كثيرة من الدور التي احتمى فيها العيارون وأحرق من الكرخ جانب كبير ونهب أهله وتعدى بالنهب إلى غيرهم وقامت فتنة عظيمة ثم خمدت التفنة في اليوم الثاني وقرر على أهل الكرخ مائة ألف دينار مصادرة لإثارتهم الفتن والشرور وفي شهر ربيع الآخر منها شهد أبو عبدالله الحسين بن علي الصيمري عند قاضي القضاة ابن أبي الشوارب بعد ما كان استتابه عما ذكر عنه من الاعتزال وفي رمضان منها انقض كوكب سمع له دوي كدوي الرعد وقع في سلخ شوال يرد لم يعهد مثله واستمر ذلك العشرين من ذي الحجة وجمد الماء طول هذه المدة وقاسى الناس شدة عظيمة وتأخر المطر وزيادة دجلة وقلت الزراعة وامتنع كثير من الناس عن التصوف ولم يحج أحد من أهل العراق وخراسان في هذه السنة لفساد اليلاد وضعف الدولة وفيها توفي من الأعيان قاضي القضاة ابن أبي الشوارب .
احمد بن محمد بن عبدالله .
ابن العباس بن محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب أبو الحسن القرشي الأموي قاضي قضاة بغداد بعد ابن الأكفاني بثنتي عشرة سنة وكان عفيفا نزها وقد سمع الحديث من أبي عمر الزاهد وعبد الباقي بن قانع إلا أنه لم يحدث قاله ابن الجوزي وحكى الخطيب عن شيخه أبي العلاء الواسطي أن أبا الحسن هذا آخر من ولي الحكم ببغداد من سلالة محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب وقد ولي الحكم من سلالته اربعة وعشرون منهم ولوا قضاء قضاة بغداد قال أبو العلاء ما رأينا مثل أبي الحسن هذا جلالة ونزاهة وصيانة وشرفا وقد ذكر القاضب الماوردي أنه كان له صديقا