القرمطي ثمانمائة مقاتل وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة قصمه الله ولما انتهى خبرهم إلى بغداد قام نساؤهم وأهاليهم في النياحة ونشرن شعورهن ولطمن خدودهن وانضاف إليهن نساء الذين نكبوا على يد الوزير وابنه وكان ببغداد يوم مشهود بسبب ذلك في غاية البشاعة والشناعة فسأل الخليفة عن الخبر فذكروا له أنهم نسوة الحجيج ومعهن نساء الذين صادرهم ابن الفرات وجاءت على يدالحاجب نصر بن القشورى على الوزير فقال يا أمير المؤمنين إنما استولى هذا القرمطي على ما استولى عليه بسبب إبعادك مؤنس الخادم المظفر فطمع هؤلاء في الأطراف وما أشار عليك بإبعاده إلا ابن الفرات فبعث الخليفة إلى ابن الفرات يقول إن الناس يتكلمون فيك لنصحك إياى وأرسل يطيب قلبه فركب هو وولده إلى الخليفة فدخلا عليه فأكرمهما وطيب قلوبهما فخرجا من عنده فنالهما أذى كثير من نصر الحاجب وغيره من كبار الأمراء وجلس الوزير في دسته فحكم بين الناس كعادته وبات ليلته تلك مفكرا في أمره وأصبح كذلك وهو ينشد ... فأصبح لا يدري وإن كان حازما ... أقدامه خير له أم داره ... ثم جاءه في ذلك اليوم أميران من جهة الخليفة فدخلا عليه داره إلى بين حريمه وأخرجوه مكشوفا رأسه وهو في غاية الذل والصغار والإهانة والعار فأركبوه في حراقة إلى الجانب الآخر وفهم الناس ذلك فرجموا ابن الفرات بالآجر وتعطلت الجوامع وخربت العامة المحاريب ولم يصل الناس الجمعة فيها وأخذ خط الوزير بألفي ألف دينار وأخذ خط ابنه بثلاثة آلاف ألف دينار وسلما إلى نازوك أمير الشرطة فاعتقلا حينا حتى خلصت منهما الأموال ثم أرسل الخليفة خلف مؤنس الخادم فلما قدم سلمهما إليه فأهانهما غاية الإهانة بالضرب والتقريع له ولولده المجرم الذي ليس بمحسن ثم قتلا بعد ذلك واستوزر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن خاقان أبو القاسم وذلك في تاسع ربيع الأول منها ولما دخل مؤنس بغداد دخل في تجمل عظيم وشفع عند ابن خاقان في أن يرسل إلى علي بن عيسى وكان قد صار إلى صنعاء اليمن مطرودا فعاد إلى مكة وبعث إليه الوزير أن ينظر في أمر الشام ومصر وأمر الخليفة مؤنس الخادم بأن يسير إلى الكوفة لقتال القرامطة وأنفق على خروجه ألف ألف دينار وأطلق القرمطي من كان أسره من الحجيج وكانوا ألفي رجل وخمسمائة امرأة وأطلق أبا الهيجاء نائب الكوفة معهم أيضا وكتب إلى الخليفة يسأل منه البصرة والأهواز فلم يجب إلى ذلك وركب المظفر مؤنس في جحافل إلى بلاد الكوفة فسكن أمرها ثم انحدر منها إلى واسط واستناب على الكوفة وبغداد ياقوت الخادم فتمهدت الأمور وانصلحت وفي هذه السنة ظهر رجل بين الكوفة وبغداد فادعى أنه محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وصدقه على ذلك طائفة من الأعراب والطغام والتفوا عليه