أين السرير الذي قد كنت تملؤه ... مهابة من رأته عينه ارتعدا ... أين القصور شيدتها فعلت ... ولاح فيها سنا الابريز فانقدا ... قد أتعبوا كل مرقال مذكرة ... وجناء تنثر من أشداقها الزبدا ... أين الأعادي الألي ذللت صعبهم ... أين الليوث التي صيرتها نقدا ... أين الوفود على الأبواب عاكفة ... ورد القطا صفر ما جال واطردا ... أين الرجال قياما في مراتبهم ... من راح منهم ولم يطمر فقد سعدا ... أين الجياد التي حجلتها بدم ... وكن يحملن منك الضيغم الأسدا ... أين الرماح التي غذيتها مهجا ... مذ مت ما وردت قلبا ولا كبدا ... أين السيوف وأين النبل مرسلة ... يصبن من شئت من قرب وإن بعدا ... أين المجانيق أمثال السيول إذا ... رمين حائط حصن قائم قعدا ... أين الفعال التي قد كنت تبدعها ... ولا ترى أن عفوا نافعا أبدا ... أين الجنان التي تجري جداولها ... ويستجيب إليها الطائر الغردا ... أين الملاهي وأين الراح تحسبها ... ياقوتة كسيت من فضة زردا ... أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا ... صلاح ملك بني العباس إذ فسدا ... ما زلت تقسر منهم كل قسورة ... وتحطم العاتي الجبار معتمدا ... ثم انقضيت فلا عين ولا أثر ... حتى كأنك يوما لم تكن أحدا ... لا شيء يبقى سوى خير تقدمه ... ما دام ملك لأنسان ولا خلدا ... ذكرها ابن عساكر في تاريخه واجتمع ليلة عند المعتضد ندماؤه فلما انقضى السمر وصار إلى حظاياه ونام القوم السمار نبههم من نومهم خادم وقال يقول لكم أمير المؤمنين إنه أصابه أرق بعدكم وقد عمل بيتا أعياه ثانيه فمن عمل ثانيه فله جائزة وهو هذا البيت ... ولما انتبهنا للخبال الذي سرى ... إذا الدار قفر والمزار بعيد ... قال فجلس القوم من فرشهم يفكرون في ثانيه فبدر واحد منهم فقال ... فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعل خيالا طارقا سيعود ... قال فلما رجع الخادم به إلى المعتضد وقع منه موقعا جيدا وأمر له بجائزة سنية واستعظم المعتضد يوما من بعض الشعراء قول الحسن بن منير المازني البصري ... لهفي على من أطار النوم فامتنعا ... وزاد قلبي على أوجاعه وجعا