الناس وقيل قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك وقيل قبل أن يرجع اليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته وهذا أقرب ما قيل فلما رآه مستقرا عنده أي فلما رأى عرش بلقيس مستقرا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر أي هذا من فضل الله علي وفضله على عبيده ليختبرهم على الشكر أو خلافه ومن شكر فإنما يشكر لنفسه أي إنما يعود نفع ذلك عليه ومن كفر فإن ربي غني كريم أي غني عن شكر الشاكرين ولا يتضرر بكفر الكافرين ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلى هذا العرش وينكر لها ليختبر فهمها وعقلها ولهذا قال ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وهذا من فطنتها وغزارة فهمها لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن ولم تكن تعلم أن أحدا يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب قال الله تعالى اخبارا عن سليمان وقومه وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين أي ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله اتباعا لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلى ذلك ولا حداهم على ذلك وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء وجعل عليه سقفا من زجاج وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء وأمرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريره فيه فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين وقد قيل إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليها من الشعر فينفره ذلك منها وخشوا أن يتزوجها لأن أمها من الجان فتتسلط عليهم معه وذكر بعضهم أن حافرها كان كحافر الدابة وهذا ضعيف وفي الأول أيضا نظر والله أعلم الا أن سليمان قيل إنه لما أراد إزالته حين عزم على تزوجها سأل الانس عن زواله فذكروا له الموسى فامتنعت من ذلك فسأل الجان فصنعوا له النورة ووضعوا له الحمام فكان أول من دخل الحمام فلما وجد مسه قال أوه من عذاب اوه أوه قبل أن لا ينفع اوه رواه الطبراني مرفوعا وفيه نظر .
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها اقرها على مملكة اليمن وردها اليه وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن غمدان وسالحين وبيتون فالله أعلم وقد روى ابن اسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أنه سليمان لم يتزوجها بل زوجها بملك همدان وأقرها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك جن اليمن فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن والأول أشهر وأظهر والله أعلم