لا أكذب السوداء وحكى عنه أيضا قال أصبحت يوما بالمدينة وليس معي إلا ثلاثة دراهم فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي وهي تسعى وتترنم بصوت شجي ... شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا ... وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سريعا ولا يغشى لنا النوم أعينا ... إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذ دنا ... فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا ... .
قال فاستعدته منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت لتأخذن بدلها ألف دينار وألف دينار فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت وفيها توفي .
بكر بن النطاح أبو وائل الحنفي الشاعر المشهور نزل بغداد زمن الرشيد وكان يخالط أبا العتاهية قال أبو عفان أشعر أهل العدل من المحدثين أربعة أولهم بكر بن النطاح وقال المبرد سمعت الحسن بن رجاء يقول اجتمع جماعة من الشعراء ومعهم بكر بن النطاح يتناشدون فلما فرغوا من طولهم أنشد بكر بن النطاح لنفسه ... ما ضرها لو كتبت بالرضى ... فجف جفن العين أو أغمضا ... شفاعة مردودة عندها ... في عاشق يود لو قد قضى ... يانفس صبرا واعلمى أنما ... يأمل منها مثلما قد مضى ... لم تمرض الأجفان من قاتل ... بلحظة إلا لأن أمرضا ... .
قال فابتدروه يقلبون رأسه ولما مات رثاه أبو العتاهية فقال ... مات ابن نطاح أبو وائل ... بكر فأمسى الشعر قد بانا ... .
وفيها توفي بهلول المجنون كان يأوى إلى مقابر الكوفة وكان يتكلم بكلمات حسنة وقد وعظ الرشيد وغيره كما تقدم .
وعبد الله بن ادريس الأودي الكوفي سمع الأعمش وابن جريج وشعبة ومالكا وخلقا سواهم وروى عنه جماعات من الأئمة وقد استدعاه الرشيد ليوليه القضاء فقال لا أصلح وامتنع أشد الامتناع وكان قد سأل قبله وكيعا فامتنع أيضا فطلب حفص بن غياث فقبل وأطلق لكل واحد خمسة ألاف عوضا عن كلفته التي تكلفها في السفر فلم يقبل وكيع ولا ابن إدريس وقبل ذلك حفص فحلف ابن إدريس لا يكلمه أبدا وحج الرشيد في بعض السنين فاجتاز بالكوفة ومعه القاضي أبو يوسف والأمين والمأمون فأمر الرشيد أن يجتمع شيوخ الحديث ليسمعوا ولديه فاجتمعوا إلا ابن إدريس هذا وعيسى بن يونس فركب الأمين والمأمون بعد فراغهما من سماعهما على من اجتمع من