قال فاستحى منه المنصور وأطلقه فما رأى له وجها إلى الحول [ وقال لابنه لما ولاه العهد يا بني ائتدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والنصر بالتواضع والتألف بالطاعة ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله .
وقال أيضا يابني ليس العاقل من يحتال للأمر الذي وقع فيه حتى يخرج منه ولكن العاقل الذي يحتال للأمر الذي عشيه حتى لا يقع فيه وقال المنصور يا بني لا تجلس مجلسا إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك فإن الزهري قال علم الحديث ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال ولا يكرهه إلا مؤنثوهم وصدق أخو زهرة وقد كان المنصور في شيبته يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه فنال جانبا جيدا وطرفا صالحا وقد قيل له يوما يا أمير المؤمنين هل بقى شيء من اللذات لم تنله قال شيء واحد قالوا وماهو قال قول المح للشيخ من ذكرت رحمك الله فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث فقال لستم بهم إنما هم الدنسه ثيابهم المشققة أرجلهم الطويلة شعورهم رواد الآفاق وقطاع المسافات تارة بالعراق وتارة بالحجاز وتارة بالشام وتارة باليمن فهؤلاء نقلة الحديث .
وقال يوم لابنه المهدي كم عندك من دابة فقال لا أدري فقال هذا هو التقصير فأنت لأمر الخلافة أشد تضييعا فاتق الله يا بني وقالت خالصة إحدى حظيات المهدي دخلت يوما على المنصور وهو يشتكي ضرسه ويداه على صدغيه فقال لي كم عندك من المال يا خالصة فقلت ألف درهم فقال ضعي يدك على رأسي واحلفي فقلت عندي عشرة الآف دينار قال اذهبي فاحمليها الي قالت فذهبت حتى دخلت على سيدي المهدي وهو مع وزوجته الخيزران فشكوت ذلك إليه فوكزني برجله وقال ويحك إنه ليس يع وجع ولكني سألته بالأمس مالا فتمارض وانه لا يسعك إلا ما أمرك به فذهبت إليه خالصة ومعها عشرة الآف دينار فاستدعى بالمهدي فقال له تشكو الحاجة وهذا كله عند خالصه وقال المنصور لخازنه إذا علمت بمجيء المهدي فأتني بخلقان الثياب فقال يا بني من ليس له خلق ليس له جديد وقد حضر الشتاء فنحتاج نعين العيال والولد فقال المهدي على كسوة أمير المؤمنين وعياله فقال دونك فافعل .
وذكر ابن جرير عن الهيثم أن المنصور أطلق في يوم واحد لبعض أعمامه ألف ألف درهم وفي هذا اليوم فرق بي بيته عشرة الاف درهم ولا يعلم خليفة فرق مثل هذا في يوم واحد وقرأ بعض القراء عند المنصور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فقال والله لولا أن المال حصن