وهبكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا ) أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والأحسان اليكم ويفتحني لاعطياتكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم فإنه سميع مجيب .
وقد خطب يوما فاعترضه رجل وهو يثني على الله D فقال يا أمير المؤمنين أذكر من أنت ذاكره واتق الله فيما تأتيه وتذره فسكت المنصور حتى أنتهى كلام الرجل فقال أعوذ بالله أن أكون ممن قال الله D فيه وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم أو أن اكون جبارا عصيا أيها الناس إن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا نبتت ثم قال للرجل ما أظنك في مقالتك هذه تريد وجه الله وإنما أردت أن يقال عنك وعظ أمير المؤمنين أيها الناس لا يغرنكم هذا فتفعلوا كفعله ثم أمر به فاحتفظ به وعاد إلى خطبته فأكملها ثم قال لمن هو عنده أعرض عليه الدنيا فان قبلها فأعلمني وأن ردها فأعلمني فما زال الرجل الذي عنده حتى أخذ المال ومال إلى الدنيا فولاه الحسبة والمظالم وأدخله على الخليفة في بزه حسنة وثياب وشارة وهيئة دنيوية فقال له الخليفة ويحك لوكنت محقا مريدا وجه الله بما قلت على رؤس الناس لما قبلت شيئا مما أرى ولكن أردت أن يقال عنك إنك وعظت أمير المؤمنين وخرجت عليه ثم أمر به فضربت عنقه وقد قال المنصور لابنه المهدي إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلا من ظلم من دونه وقال أيضا يا بني استدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والطاعة بالتأليف والنصر بالتواضع والرحمة للناس ولاتنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله .
وحضر عنده مبارك بن فضيلة يوما وقد أمر برجل أن يضرب عنقه وأحضر النطع والسيف فقال له مبارك سمعت الحسين يقول قال رسول الله A ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا ) فأمر بالعفو عن ذلك الرجل ثم أخذ يعدد على جلسائه عظيم جرائم ذلك الرجل وما صنعه وقال الاصمعي أتى المنصور برجل ليعاقبه فقال يا أمير المؤمنين الانتقام عدل والعفو فضل وتعوذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين وأدنى القسمين دون أرفع الدرجتين قال فعفا عنه .
وقال الاصمعي قال المنصور لرجل من أهل الشام أحمد الله يا أعرابي الذي دفع عنكم الطاعون بولايتنا فقال ان الله لا يجمع علينا حشفا وسوء كيل ولا يتكم والطاعون والحكايات في ذكر حلمه وعفوه كثيرة جدا [ ودخل بعض الزهاد إلى المنصور فقال إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها واذكر ليلةتبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة تمخض عن