همة إلا في الدعوة إلى دينهم الأقرب منهم فالأقرب وإنهم متى فرغوا مني خلصوا إليك فمهما كنت صانعا حينئذ فاصنعه الآن فعند ذلك شرع لعنه الله في المكر والخديعة فكتب إلى مسلمة يقول له إن إليون كتب إلى يستنصرنى عليك وأنا نعك فمرنى بما شئت فكتب إليه مسلمة إني لا أريد منك رجالا ولا عددا ولكن أرسل إلينا بالميرة فقد قل ما عندنا من الأزواد فكتب إليه إني قد أرسلت إليك بسوق عظيمة إلى مكان كذا وكذا فأرسل من يتسلمها ويشتري منها فأذن مسلمة لمن شاء من الجيش أن يذهب إلى هناك فيشتري له ما يحتاج إليه فذهب خلق كثير فوجدوا هنالك سوقا هائلة فيها من أنواع البضائع الأمتعة والأطعمة فأقبلوا يشترون واشتغلوا بذلك ولا يشعرون بما أرصد لهم الخبيث من الكمائن بين تلك الجبال التي هنالك فخرجوا عليهم بغتة واحدة فقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين وأسروا آخرين وما رجع إلى مسلمة إلا القليل منهم فإنا لله وإنا إليه راجعون فكتب مسلمة بذلك إلى أخيه سليمان يخبره بما وقع من ذلك فأرسل جيشا كثيفا صحبة شراحيل بن عبيدة هذا وأمرهم أن يعبروا خليج القسطنطينية أولا فيقاتلوا ملك البرجان ثم يعودوا إلى مسلمة فذهبوا إلى بلاد البرجان وقطعوا إليهم تلك الخلجان فاقتتلوا معهم قتالا شديدا فهزمهم المسلمون بإذن الله وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وسبوا واسروا خلقا كثيرا وخلصوا اسرى المسلمين ثم تحيزوا إلى مسلمة فكانوا عنده حتى استقدم الجميع عمر بن عبد العزيز خوفا عليهم من غائلة الروم وبلادهم ومن ضيق العيش وقد كان لهم قبل ذلك مدة طويلة أثابهم الله .
خلافة عمر بن عبد العزيز Bه قد تقدم أنه بويع له بالخلافة يوم الجمعة لعشر مضين وقد قيل بقين من صفر من هذه السنة أعني سنة تسع وتسعين يوم مات سليمان بن عبد الملك عن عهد منه إليه من غير علم من عمر كما قدمنا وقد ظهرت عليه مخايل الورع والدين والتقشف والصيانة والنزاهة من أول حركة بدت منه حيث أعرض عن ركوب مراكب الخلافة وهي الخيول الحسان الجياد المعدة لها والاجتزاء بمركوبه الذي كان يركبه وسكنى منزله رغبة عن منزل الخلافة ويقال أنه خطب الناس فقال في خطبته أيها الناس إن لي نفسا تواقة لا تعطي شيئا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه وإني لما أعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها وهي الجنة فأعينوني عليها يرحمكم الله وستأتي ترجمته عند وفاته إن شاء الله وكان مما بادر إليه عمر في هذه السنة أن بعث إلى مسلمة بن عبد الملك ومن معه من المسلمين وهم بأرض الروم محاصروا القسطنطينية وقد اشتد عليهم الحال وضاف عليهم المجال لأنهم عسكر كثير فكتب إليهم يأمرهم بالرجوع إلى الشام إلى منازلهم وبعث إليهم بطعام كثير وخيول كثيرة عتاق يقال خمسمائة فرس ففرح الناس بذلك