وكان الحارث يطعمهم فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء وكان يقول لهم اخرجوا حتى أريكم الملائكة فيخرج بهم إلى دير المراق فيريهم رجالا على خيل فيتبعه على ذلك بشر كثير وفشا أمره فى المسجد وكثر أصحابه وأتباعه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة قال فعرض على القاسم أمره وأخذ عليه العهد إن هو رضى أمر قبله وإن كرهههكتم عليه قال فقال له إنى نبي فقال القاسم كذبت يا عدو الله ما أنت نبى وفى رواية ولكنك أحد الكذابين الدجالين الذين أخبر عنهم رسول الله ( ص ) إن الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه نبى وأنت أحدهم ولا عهد لك ثم قام فخرج إلى أبى إدريس وكان على القضاء بدمشق فأعلمه بما سمع من الحارث فقال أبو إدريس نعرفه ثم أعلم أبو إدريس عبد الملك بذلك وفى روايه أخرى أن مكحولا وعبد الله بن أب زائدة دخلا على الحارث فدعاهما إلى نبوته فكذباه وردا عليه ما قال ودخلا على عبد الملك فأعلماه بأمره فتطلبه عبد الملك طلبا حثيثا واختفى الحارث وصار إلى دار بيت المقدس يدعو إلى نفسه سرا واهتم عبد الملك بشأنه حتى ركب إلى النصرية فنزلها فورد عليه هناك رجل من أهل النصريه ممن كان يدخل على الحارث وهو ببيت المقدس فأعلمه بأمره وأين هو وسأل من عبد الملك أن يبعث معه بطائفة من الجند الأتراك ليحتاط عليه فأرسل معه طائفة وكتب إلى نائب القدس ليكون فى طاعة هذا الرجل ويفعل ما يأمره به فلما وصل الرجل إلى النصرية ببيت المقدس بمن معه انتدب نائب القدس لخدمته فأمره أن يجمع ما يقدر عليه من الشموع ويجعل مع كل رجل شمعته فاذا أمرهم باشعالها فى الليل أشعلوها كلهم فى سائر الطرق والأزقة حتى لا يخفى أمره وذهب الرجل بنفسه فدخل الدار التى فيها الحارث فقال لبوابة استأذن على نبى الله فقال فى هذه الساعة لا يؤذن عليه حتى يصبح فصاح النصرى أسرجوا فأشعل الناس شموعهم حتى صار الليل كأنه النهار وهم النصرى على الحارث فاختفى منه فى سرب هناك فقال أصحابه هيهات يريدون أن يصلوا إلى نبي الله إنه قد رفع إلى السماء قال فأدخل النصرى يده فى ذلك السرب فاذا بثوبه فاجتره فأخرجه قم قال للفرعانين من أتراك الخليفة قال فأخذوه فقيدوه فيقال إن القيود والجامعة سقطت من عنقه مرارا ويعيدونها وجعل يقول [ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فيما يوحى إلى ربي إنه سميع قريب ] وقال لأولئك الأتراك [ أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ] فقالوا له بلسانهم ولغتهم هذا كراننا فهات كرانك أي هذا قرآننا فهات قرآنك فلما انتهوا به إلى عبد الملك أمر بصلبه على خشبة وأمر رجلا فطعنه بحربة فانثنت فى ضلع من أضلاعه فقال له عبد الملك ويحك أذكرت اسم الله حين طعنته فقال نسيت فقال ويحك سم الله ثم اطعنه قال فذكر اسم الله ثم طعنه فأنفذه وقد كان عبد الملك حبسه قبل صلبه وأمر رجلا