بتوحيد الله والعمل له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فان كل خير آتيه أنت بعد ذلك منك مقبول وإلى الله مرفوع يا جندب إنك لن تزدد من موتك إلا قربا فصل صلاة مودع واصبح فى الدنيا كأنك غريب مسافر فانك من أهل القبور وابك على ذنبك وتب من خطيئتك ولتكن الدنيا عليك أهون من شسع نعلك فكأن قد فارقتها وصرت إلى عدل الله ولن تنتفع بما خلفت ولن ينفعك إلا عملك وقال بعضهم أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم قال لاتكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى له موضعا ولا تمار سفيها ولا حليما فان الحليم يغلبك والسفيه يزدريك ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذى تحب أن يتكلم فيك إذ تواريت عنه واعمل عمل من يعلم أنه مجزى بالاحسان مأخوذ بالاجرام فقال رجل عنده يا ابن عباس هذا خير من عشرة آلاف فقال ابن عباس كلمة منه خير من عشرة آلاف وقال ابن عباس تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره يعنى ان تعجل العطية للمعطى وان تصغر فى عين المعطى وان تسترها عن الناس فلا تظهرها فان فى اظهارها فتح باب الرياء وكسر قلب المعطى واستحياءه من الناس وقال ابن عباس أعز الناس على جليس لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت وقال أيضا لا يكافىء من أتانى يطلب حاجة فرآنى لها موضعا إلا الله D وكذا رجل بدأنى بالسلام أو أوسع لى فى مجلس أو قام لى عن المجلس او رجل سقانى شربة ماء على ظمأ ورجل حفظنى بظهر الغيب والمأثور عنه من هذه المكارم كثير جدا وفيما ذكرنا إشارة إلى ما لم نذكره .
وقد عده الهيثم بن عدى فى العميان من الأشراف وفى بعض الأحاديث الواردة عنه ما يدل على ذلك وقد أصيبت إحدى عينيه فنحل جسمه فلما أصيبت الاخرى عاد إليه لحمه فقيل فى ذلك فقال أصابنى ما رأيتم فى الأولى شفقة على الأخرى فلما ذهبتا اطمأن قلبى وقال ابو القاسم البغوى ثنا على بن الجعد ثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه وقع فى عينيه الماء فقال له الطبيب ننزعك من عينيك الماء على أن لا تصلى سبعة أيام فقال لا إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقى الله وهو عليه غضبان وفى رواية أنه قيل له نزيل هذا الماء من عينيك على أن تبقى خمسة أيام ولا تصلى إلا على عود وفي رواية إلا مستلقيا فقال لا والله ولا ركعة إنه من ترك صلاة واحدة متعمدا لقى الله وهو عليه غضبان وقد أنشد المدائنى لابن عباس حين عمى ... إن يأخذ الله من عينى نورهما ... ففى لسانى وسمعى منهما نور ... قلبى ذكى وعقلى غير ذى دخل ... وفى فمى صارم كالسيف مأثور ... .
ولما وقع الخلف بين ابن الزبير وبين عبد الملك بن مروان اعتزل ابن عباس ومحمد بن الحنفية الناس فدعاهما ابن الزبير ليبايعاه فأبيا عليه وقال كل منهما لا نبايعك ولا نخالفك فهم بهما