فخرج فقالا له من أنت فانتسب لهما فقالا لا نعرفك إلا من خير منكما ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب فانه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد قال فلم ينتبه حتى غشية فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه ثم مال على الكلبى فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول ... إن تنكرانى فأنا ابن كلب نسبى ... بيتى فى عليم حسبى ... إنى امرؤ ذو مروءة وعضب ... ولست بالخوار عند الكرب ... إنى زعيم لك أم وهب ... بالطعن فيهم مقدما والضرب ... ضرب غلام مؤمن بالرب ... .
فأخذت أم وهب عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له فداؤك أبى وأمى قاتل دون الطيبين ذرية محمد عليه السلام فأقبل إليها يردها نحو النساء فأقبلت تجاذبه ثوبه قالت دعنى أكون معك فناداها الحسين انصرفى إلى النساء فاجلسى معهن فانه ليس على النساء قتال فانصرفت إليهن .
قال وكثرت المبارزة يومئذ بين الفريقين والنصر فى ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وأنهم مستميتون لاعاصم لهم إلا سيوفهم فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة وحمل عمر بن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد وجعل يقول قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة فقال له الحسين ويحك يا حجاج أعلى تحرض الناس أنحن مرقنا الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار وقد قتل فى هذه الحملة مسلم بن عوسجة وكان أول من قتل من أصحاب الحسين فمشى إليه الحسين فترحم عليه وهو على آخر رمق وقال له حبيب بن مطهر ابشر بالجنة فقال له بصوت ضعيف بشرك الله بالخير ثم قال له حبيب لولا أنى أعلم أنى على أثرك لاحقك لكنت أقضى ما توصى به فقال له مسلم بن عوسجة أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين إلى أن تموت دونه قالوا ثم حمل شمر بن ذى الجوشن بالميسرة وقصدوا نحو الحسين فدافعت عنه الفرسان من أصحابه دفاعا عظيما وكافحوا دونه مكافحة بليغة فأرسلوا يطلبون من عمر بن سعد طائفة من الرماة الرجالة فبعث إليهم نحوا من خمسمائة فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها حتى بقى جميعهم رجاله ولما عقروا جواد الحر ابن يزيد نزل عنه وفى يده السيف كأنه ليث وهو يقول ... إن تعقروا بى فانا ابن الحر ... أشجع من ذى لبد هزبر ... .
ويقال إن ابن عمر بن سعد أمر بتقويض تلك الأبنية التى تمنع من القتال من أتى ناحيتها فجعل أصحاب الحسين يقتلون من يتعاطى ذلك فأمر بتحريقها فقال الحسين دعوهم يحرقونها فانهم