فلو شاء لعجل النقمة وكان منه التعسير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة عنده هي دار القرار ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ألا وأنكم لاقوا القوم غدا فاطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن وأسألوا الله النصر والصبر والقوة بالجد والحزم وكونوا صادقين قال فوثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها قال ومر بالناس وهم كذلك كعب بن جعل التغلبي فرآى ما يصفون فجعل يقول ... أصبحت الأمة في أمر عجب ... والملك مجموع غدا لمن غلب ... فقلت قولا صادقا غير كذب ... إن غدا تهلك أعلام العرب ... .
قال ثم أصبح علي في جنوده قد عبأهم كما أراد وركب معاوية في جيشه قد عبأهم كما أراد وقد أمر على كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام فتقاتل الناس قتالا عظيما لا يفر أحد من أحد ولا يغلب أحد أحدا ثم تحاجزوا عند العشي وأصبح على فصل الفجر بغلس وباكر القتال ثم استقبل أهل الشام فاستقبلوه بوجوههم فقال علي فيما رواه ابن مخنف عن مالك بن أعين عن ريد بن وهب اللهم رب السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته سقفا لليل والنهار وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم وجعلت فيه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ورب الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما نرى ومالا نرى من خلقك العظيم ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ورب البحر المسجور المحبط بالعالم ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي والفساد وسددنا للحق وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة وجنب بقية أصحابي من الفتنة ثم تقدم علي وهو في القلب في أهل المدينة وعلى ميمنتة يومئذ عبد الله بن بديل وعلى الميسرة عبد الله بن عباس وعلى القراء عمار بن ياسر وقيس بن سعد والناس على راياتهم فزحف بهم إلى القوم وأقبل معاوية وقد بايعه أهل الشام على الموت فتواقف الناس في موطن مهول وأمر عظيم وحمل عبد الله بن بديل أمير ميمنة على علي ميسرة أهل الشام وعليها حبيب ابن مسلمة فاضطره حتى ألجأه إلى القلب وفيه معاوية وقام عبد الله بن بديل خطيبا في الناس يحرضهم على القتال ويحثهم على الصبر والجهاد وحرض أمير المؤمنين على الناس على الصبر والثبات والجهاد وحثهم على قتال أهل الشام وقام كل أمير في أصحابه يحرضهم وتلا عليهم آيات القتال من أماكن متفرقة من القرآن فمن ذلك قوله تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ثم قال قدموا المدارع وآخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فأنه أنكى للسيوف