وكان امارة النصر والرشد وجاءت الاتراك والفرس في جمع عظيم هائل مزعج فقام الاحنف في الناس خطيبا فقال إنكم قليل وعدوكم كثير فلا يهولنكم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين فكانت الترك يقاتلون بالنهار ولايدري الاحنف اين يذهبون في الليل فسار ليلة مع طليعة من اصحابه نحو جيش خاقان فلما كان قريب الصبح خرج فارس من الترك طليعة وعليه طوق وضرب بطبله فتقدم إليه الاحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الاحنف فقتله وهو يرتجز ... ان على كل رئيس حقا ... ان يحضب الصعدة او يندقا ... ان لها شيخا بها ملقى ... بسيف ابي حفص الذي تبقى ... .
قال ثم استلب التركي طوقه ووقف موضعه فخرج آخر علم طوق ومعه طبل فجعل يضرب بطبله فتقدم اليه الاحنف فقتله ايضا واستلبه طوقه ووقف موضعه فخرج ثالث فقتله واخذ طوقه ثم اسرع الاحنف الرجوع الى جيشه ولا يعلم بذلك احد من الترك بكلية وكان من عادتهم بطبله ثم الثاني ثم الثالث ثم يخرجون بعد الثالث فلما خرجت الترك ليلتئذ سد انهم لايخرجون من صبيتهم حتى تخرج ثلاثة من كهولهم بين أيديهم يضرب الأول الثالث فأتوا على فرسانهم مقتلين تشاءم بذلك الملك خاقان وتطير وقال لعسكره قد طال قامنا وقد اصيب هؤلاء القوم بمكان لم نصب بمثله ما لنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا بنا فرجعوا الى بلادهم وانتظرهم المسلمون يومهم ذلك ليخرجوا اليهم من شعبهم فلم يروا احدا منهم ثم بلغهم انصرافهم الى بلادهم راجعين عنهم وقد كان يزدجرد وخاقان في مقابلة الاحنف بن قيس ومقاتلته ذهب الى مرو الشاهجان فحاصرها وحارثة بن النعمان بها واستخرج منها خزانته التي كان دفنها بها ثم رجع وانتظره خاقان ببلخ حتى رجع اليه .
وقد قال المسلمون للاحنف ما ترى في اتباعهم فقال اقيموا بمكانكم ودعوهم وقد اصاب الاحنف في ذلك فقد جاء في الحديث اتركوا الترك ما تركوكم وقد رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ورجع كسرى خاسرا الصفقة لم يشف له غليل ولا حصل على خير ولا انتصر كما كان في زعمه بل تخلى عنه من كان يرجو النصر منه وتنحى عنه وتبرأ منه احوج ماكان اليه وبقي مذبذبا لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا وتحير في امره ماذا يصنع والى اين يذهب وقد اشار عليه بعض اولى النهى من قومه حين قال قد عزمت ان اذهب الى بلاد الصين او اكون مع خاقان في بلاده