يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة وبذلوا الزكوات إلا ما كان من مالك بن نويرة فأنه متحير في أمره متنح عن الناس فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا فيقال إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد فنادى منادي خالد إن أدفئوا أسراكم فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة فلما سمع الداعية خرج وقد فرغو منهم فقال إذا أراد الله أمرا أصابه واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة وهي أم تميم ابنة المنهال وكانت جملية فلما حلت بنى بها ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح وعلى منعه الزكاة وقال ألم تعلم أنها قرينة الصلاة فقال مالك إن صاحبكم كان يزعم ذلك فقال أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار اضرب عنقه فضربت عنقه وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم ويقال إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ولم تفرغ الشعر لكثرته وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال الصديق اعزله فإن في سيفه رهقا فقال أبو بكر لا أشيم سيفا سله الله على الكفار وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر يساعده وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي فوداه الصديق من عنده ومن قول متمم في ذلك ... وكنا كندماني جذيمة برهة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ... وعشنا بخير ما حيينا وقبلنا ... أباد المنايا قوم كسرى وتبعا ... فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ... .
وقال أيضا ... لقد لامني عند العبور على البكى ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك ... وقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوي بين اللوى فالدكادك ... فقلت له إن الاسى يبعث الأسى ... فدعني فهذا كله قبر مالك ... .
والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب Bه يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد عن الأمرة ويقول إن في سيفه لرهقا حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء