الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أي هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء أمر أن لا تعبدوا إلا إياه أي وحده لا شريك له و ذلك الدين القيم أي المستقيم والصراط القويم ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا قالوا وهو الساقي وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قالوا وهو الخباز قضى الأمر الذي فيه تستفتيان أي وقع هذا لا محالة ووجب كونه على حالة ولهذا جاء في الحديث الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت .
وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا لم نر شيئا فقال لهما قضى الأمر الذي فيه تستفتيان وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي أذكرني عند ربك يعني اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب وقوله فأنساه الشيطان ذكر ربه أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام قاله مجاهد ومحمد بن اسحق وغير واحد وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب فلبث يوسف في السجن بضع سنين والبضع ما بين الثلاث إلى التسع وقيل إلى السبع وقيل إلى الخمس وقيل ما دون العشرة حكاها الثعلبي ويقال يضع نسوة وبضع رجال ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف وقال الله تعالى فلبث في السجن بضع سنين وقال تعالى في بضع سنين وهذا رد لقوله قال الفراء ويقال بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين ولا يقال بضع ومائة وبضع والف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال بضعة وعشرون إلى تسعين وفي الصحيح الايمان بضع وستون وفي رواية وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومن قال إن الضمير في قوله فأنساه الشيطان ذكر ربه عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوري ( 1 ) المكي وهو متروك ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا ههنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم