بصدق ما اتفقوا عليه بل اتفاق عشر هذا العدد بل اتفاق عشر عشره يفيد ذلك ومن أنكر في هذا الاتفاق فعليه بمطالعة التوراة فإنها قد اشتملت على حكاية حال الأنبياء من لدن آدم إلى بعثة موسى وفيها التصريح بتصديق بعضهم بعضا ولم يقع من أحد منهم الإنكار لنبوة أحد ممن تقدمه ثم جاء من بعد موسى وهارون أنبياء بني إسرائيل وكل واحد منهم يقر بمن تقدمه وثبت نبوته كما اشتمل على ذلك كتب نبواتهم وكثير منهم كان يجاهد من يعبد الأصنام من بني إسرائيل وغيرهم وقد وقعت لهم قصص وحروب مع من كان يعبد الصنم المعروف ببعل الذي ذكر الله سبحانه في القرآن وكذلك كان لهم قصص وحروب مع من كان يعبد غيره من الأصنام وهكذا داود وسليمان وهما من أنبياء بني إسرائيل وممن يدين بالتوراة ما زالا في حرب مع عباد الأصنام كما يحكي ذلك الزبور وكتاب داود وكما تحكيه وصايا سليمان وهي كتاب مستقل .
وهكذا الإنجيل فإن المسيح عليه السلام كان يحتج على المخالفين له من اليهود بنص التوراة في غالب فصوله المشتملة على حكاية المسائل التي أنكرها عليه اليهود ومع هذا فلم يقع اختلاف بينهم قط في الدعاء إلى توحيد الله وإثبات المعاد وصحة نبوة كل واحد منهم وصدقه فيما جاء به من الشرع وفيما حكاه عن الله سبحانه وهذه هي الثلاثة المقاصد التي جمعنا هذا المختصر لتقرير اتفاقهم عليها وإثباتهم لها وكثيرا ما كان يقع التبشير من السابق منهم باللاحق كما هو مصرح به في التوراة من تبشير موسى بيوشع بن نون وكما هو مصرح به في الزبور من تبشير داود بعيسى وهو الرابع عشر من أولاده فإن بين داود والمسيح أربعة عشر ابا وقيل أكثر من ذلك حسبما يحكيه ما وقع في بعض نسخ الإنجيل وكما وقع من يحيى بن زكريا المسمى عندهم يوحنا فإنه بشر بالمسيح مع اتصال عصره بعصره فإن يحيى بن زكريا إنما قتل بعد أن بعث الله المسيح كما يحكي ذلك الإنجيل