وأيضا قيل إنه يلزمهم أن تكون الذات علما وقدرة وحياة لثبوت خصائص هذه الصفات لها فإنه قد تحقق في المعقول أن ما يعلم به المعلوم علم وأيضا فهذه الصفات لا تقوم بنفسها والذات قائمة بنفسها وهو جمع بين النقيضين .
وأجابوا بأن المراد أنزله وهو يعلمه أو أنزله بإذنه وأمره لأن ما تعدى من الأفعال بحرف الباء فإن الداخلة عليه يكون آلة كضربت زيدا بالسوط وأخذت المنديل بيدي وكون العلم هو الذي نزل به لا يتصور إذ علمه تعالى لا ينفصل عن ذاته .
والمناقشة في مثل هذا تطول وتخرج عن المقصود والمقصود إنما هو الإشارة إلى أن كل واحد يدعي أن الحق بيده ويقيم الدليل عليه كما تقدم فنسكت نحن عن الخوض في ذلك ولا نبحث في تحقيقه فإنه بدعة ونفوض علمه إلى الله تعالى ولا نكفر أحدا من أهل الفرق بما ذهب إليه واعتقده خصوصا مع قيام الشبهة والدليل عنده فإن الإيمان المعتبر في الشرع هو تصديق القلب الجازم بما علم ضرورة مجيء الرسول به من عند الله تفصيلا فيما علم تفصيلا كالتوحيد والنبوة وإجمالا فيما علم إجمالا كالأنبياء السالفة والصفات القديمة التي نطق بها القرآن .
وهذا هو الحق فلا نكفر بقية الفرق خلافا لمن زعم من المتكلمين أن الإيمان هو العلم بالله وصفاته على سبيل الكمال والتمام فبهذا لا جرم اقدم كل طائفة على تكفير من عداه من الطوائف لكن لا بأس بالقول بتكفير بعض الغلاة من أهل البدع فإن من الجهمية من غلا حتى رمى بعض الأنبياء