أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن خير أمته وأفضل القرون قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه .
ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث فيهم رسول الله A ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين ولا قائلين في هذا الباب بالحق المبين فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم ولا أن يعتقد أن الخلف أعلم من السلف أو أن طريقة اللاسلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم ظنا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات فهذا الظن فاسد أوجب تلك المقالة وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وهي التي يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف وصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والتكذيب بالسمع فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين وأنهم لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم