- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس بوجهه مزعة لحم ] ] . وروى البخاري وابن ماجه : [ [ لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ] ] . وروى البخاري : [ [ ما أكل أحد طعاما خيرا له من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ] ] . وفي رواية : [ [ إنه كان يعمل القفاف من الخوص ] ] . وروى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ إنما السائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا ] ] . الكدوح : الخموش . وروى البيهقي : [ [ من سأل الناس من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم يأتي يوم القيامة بوجهه ليس عليه لحم ] ] . وفي رواية أخرى له مرفوعا : [ [ من فتح على نفسه باب المسألة من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب ] ] . وروى البيهقي : أن رجلا أتى به رسول الله A ليصلي عليه فقال : كم ترك ؟ فقالوا دينارين أو ثلاثة قال : ترك كيتين أو ثلاث كيات . قال عبدالله بن القاسم وكان ذلك الرجل لم يزل يسأل الناس تكثرا . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من سأل مسألة على ظهر غنى استكثر من رضف جهنم قالوا وما ظهر غنى ؟ قال : عشاء ليلة ] ] . [ والرضف : الحجارة المحماة ] وفي رواية لأبي داود : [ [ قالوا وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة ؟ قال : قدر ما يغديه ويعشيه ] ] . وفي رواية لابن حبان وابن خزيمة في صحيحه : [ [ هو أن يكون له شبع يوم وليلة ] ] . قلت : وهذه الأحاديث وما شاكلها إنما خرجت مخرج الزجر والتنفير عن ترك الكسب ولها تحقيق آخر عند العلماء . والله أعلم . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ اليد العليا خير من اليد السفلى ] ] . قال مالك وغيره : [ [ والعليا هي المنفقة ] ] . وقال الخطابي وغيره : والأشبه أن المراد بالعليا هي المتعففة عن سؤال الناس لأن ذلك مأخوذ من علاء المجد والكرم لا من علو المكان وسياق الحديث يقتضيه فإنه A قال : [ [ ذلك يحض على الصداقة والتعفف عن المسألة ] ] . والله أعلم . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ شرف المؤمن قيام الليل وعزه غناؤه عن الناس ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ] ] . وروى مسلم وغيره : [ [ ومن يستعفف يعفه الله ] ] . والله أعلم .
- ( اخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نتوكل توكل العام فنترك التكسب بالتجارة والزراعة والصناعة ونحو ذلك ونصير نسأل الولاة والأغنياء تصريحا أو تعريضا فإن ذلك جهل بمقام التوكل كما هو شأن من يطلب الوظائف والأنظار بالوسائط وكتابة القصص ثم يدعى التوكل بعد ذلك وهو قد سأل مع الغنى وربما يحتج بأن التكسب يعطله عن الاشتغال بالعلم وذلك حجة لا تنهض إلا إذا لم يكن في بلده أو إقليمه من يقوم بحفظ الشريعة . أما إذا كان في بلده من يقوم مقامه في الإفتاء والتدريس فالأدب اشتغاله بالتكسب إلا أن يمن عليه بما يأكل وما يشرب من حيث لا يحتسب ونحو ذلك . فإياك يا أخي وسؤال الناس بلا ضرورة وقد كثر وقوعه من غالب حملة القرآن مع قدرتهم على الكسب بالحرف والصنائع وغيرها وإذا أمره أحد بالتكسب يحتج بأنه مشتغل بالعلم والحال بخلاف ذلك فإن من شرط من يجوز له أكل الصدقة أن تكون له علامات ظاهرة على حفظه والإكباب على الاشتغال بالعلم ليلا ونهارا بحيث لو اشتغل بالتكسب لتعطل مع حاجة الناس إلى علمه مع الإخلاص فيه بحيث يحس بنفسه أن لو سأل الله تعالى به حاجة لقضاها كما في خبر الثلاثة الذين وقعت عليهم الصخرة فسدت عليهم فم الغار وقالوا لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم . وقد كان شيخنا شيخ الإسلام زكريا إذا أصابه وجع في رأسه وأنا أطالع له العلم لما كف بصره يقول نويت الاستشفاء بالعلم فيذهب الوجع لوقته : وقال لي مرارا عند ثوران الصداع برأسي قل نويت الاستشفاء بالعلم فأقول ذلك فيذهب الوجع لوقته فلا أدري هل ذلك من جهة إخلاصي أو ذلك ببركة الشيخ Bه . وأعلم أن المروءة من الإيمان ولا مروءة لمن يسأل الناس وهو قادر على الكسب فمن أراد العمل بهذا العهد فليسلك طريق القوم على يد شيخ صادق يسير به حتى يدخل به حضرات اليقين ويرى أهلها ويخالطهم ويصير معتمدا على الله تعالى لا على الكسب ولا على أحد من الخلق وهناك لا يضره سؤال إن شاء الله تعالى لأنه حينئذ إنما يسأل من الله تعالى والخلق أبواب للحق فهو مع صاحب رب الدار لا مع الدار ولا مع بابها ومن لم يسلك على يد شيخ فغالب أحواله علل فإن سأل كان لعلة وإن ترك كان لعلة . والله أعلم