( 39 ) لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً ؟ من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها عن غير رافعاً ؟ .
أي لا ترفعن إلى غيره تعالى حاجة كفقر أو نازلة هو موردها عليك اختباراً لك بل ارفع إليه ذلك فإنه سبحانه يحب أن يسأل وفي الحديث : " من لم يسأل الله يغضب عليه " . وما ألطف قول بعضهم : .
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب .
فالله يغضب أن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب .
ومن المحال أن يرفع غيره سبحانه ما كان هو له واضعاً فإن الله غالب على أمره والعبد شأنه العجز عن رفع النازلة عن نفسه فكيف يستطيع أن يرفعها عن غيره ؟ فالطلب من الخلق غرور وباطل وليس تحته عند أرباب البصيرة طائل وهذا إذا كان على وجه الاعتماد عليهم والاستناد إليهم مع الغفلة في حال الطلب عن الله تعالى . وأما إذا كان من باب الأخذ بالأسباب مع النظر إلى أن المعطي في الحقيقة الملك الوهاب فهو من هذا الباب . والله أعلم بالصواب .
( 40 ) أن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه حسن ظنك به لأجل معاملته معك فهل عودك إلا حُسناً ؟ وهل أسدى إليك إلا منناً .
ص 50 .
اعلم أن تحسين الظن بالله تعالى أحد مقامات اليقين والناس فيه على قسمين : فالخاصة يحسنون الظن به لاتصافه بالصفات العلية والنعوت السنية . والعامة لما عودهم به من الإحسان وأوصله إليهم من النعم الحسان فإن لم تصل - أيها المريد - إلى مقام الخاصة فحسن ظنك به لحسن معاملته معك فإنه ما عودك إلا عطاءً حسناً ولا أسدى أي أوصل إليك إلا مننا .
والله عودك الجميل فقس على ما قد مضى .
وينبغي للعبد أن يحسن الظن بربه في أمر دنياه وأمر آخرته أما أمر دنياه فأن يكون واثقاً بالله تعالى في إيصال المنافع إليه من غير كد ولا سعي أو بسعي خفيف مأذون فيه مأجور عليه بحيث لا يفوته شيئاً من فرض ولا نفل فيوجب له ذلك سكوناً وراحة في قلبه فلا يستفزه طلب ولا يزعجه سبب . وأما أمر آخرته فأن يكون قوي الرجاء في قبول أعماله الصالحة فيوجب له ذلك المبادرة لامتثال الأوامر والتكثير من أعمال البر . ومن أعظم مواطن حسن الظن بالله تعالى حالة الموت لما في الحديث : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " وورد : " أنا عند ظن عبد بي فليظن بي ما شاء "