وعند ذلك لا يبقى في نظرك ما تستند إليه سواه فإنك إذ ذاك لا تشهد إلا إياه . وحق البصيرة ويعبر عنه بنور الحق وبحق اليقين يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك فتكون في مشاهدة الحق حال كونك في مقام الفناء الكامل الذي تفنى فيه حتى عن فنائك استهلاكاً في وجود سيدك .
وبعد الفنا في الله كن ما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر .
( 37 ) كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان .
أي كينونة لا يصحبها زمان ولا مكان فإنهما من مخلوقاته والمراد بهذه الحكمة أنه لا شيء معه في أبده كما لم يكن معه شيء في أزله لثبوت أحديته . يوضح ذلك قوله فيما سيأتي : الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته .
( 38 ) لا تتعد نية همتك إلى غيره فالكريم لا تتخطاه الآمال .
أي لا تجعل قصدك متعديا إلى غيره تعالى فالكريم لا تتخطاه آمال المؤملين فإن ذا الهمة العلية يأنف من رفع حوائجه إلى غير كريم ولا كريم على الحقيقة إلا رب العالمين . وأجمع العبارات في معنى وصف الكريم ما قيل : الكريم هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى وإذا جفي عاتب وما استقصى ولا يضيع من لاذ به والتجا ويغنيه عن الوسائل والشفعاء . فإذا كانت هذه الصفات لا يستحقها أحد سوى الله تعالى فينبغي أن لا تتخطاه آمال المؤملين . كما قال بعض العارفين : .
حرام على من وحد الله ربه وأفرده أن يجتدي أحداً رفدا .
ويا صاحبي قف بي مع الحق وقفة أموت بها وجداً وأحيا بها وجدا .
وقل لملوك الأرض تجهد جهدها فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى