وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم .
ولا تطع منهما خصماً ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكم .
ولما كان الرضا عن النفس من شأن من يتعاطى العلوم الظاهرية التي لا تدل على عيوب النفس نهى المصنف عن صحبتهم بقوله : ولأن تصحب بفتح لام الابتداء الداخلة على أن المصدرية أي لَصُحْبَتُكَ جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك في تحصيل فائدة الصحبة التي هي الزيادة في حالك من أن تصحب عالماً بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه . فإن المدار في الانتفاع بالصحبة إنما هو على العلم بعظمة الله وجلاله وإحسانه الذي ينشأ عنه معرفة النفس وعيوبها لا على العلوم العقلية والنقلية . فأي علم أي نافع لعالم بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه . و أي جهل ضار لجاهل بالعلوم الظاهرية لا يرضى عن نفسه لعلمه بعيوبها فإنه وإن قَلَّتْ بضاعته من الأحكام لا بد أن يحصلها بالوقائع على مدى الأيام . فلا ينبغي للمريد أن يصحب إلا من يكون عارفاً بعيوب نفسه غير راض عنها ليقتدي به في أفعاله فإن الطبع سراق .
كما قال بعضهم : .
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قري بالمقارنة يقتدي .
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى .
( 36 ) شعاع البصيرة يشهدك قربه منك وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده وحق البصيرة يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك .
يشير إلى ثلاث مراتب : فشعاع البصيرة ويعبر عنه بنور العقل وبعلم اليقين يشهدك قربه تعالى منك قرب علم وإحاطة فتستحي منه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك . وعين البصيرة ويعبر عنه بنور العلم وبعين اليقين يشهدك عدمك لوجوده الذي تضمحل الموجودات معه فإن وجودها عارية منه