لأن العارف يتهم نفسه ويشهد تقصيرها في الإتيان بحق التوكل فكأنه يقول فلا تكلني وغن كان توكلي ضعيفاً وكذا يقال فيما بعده أي فلا تخيبني وإن لم أكن أهلاً للإجابة ولا تحرمني وإن لم أصدق في الرغبة ولا تبعدني وإن لم أصدق في الانتساب لجنابك أي ذاتك أي لم أصدق في الانتساب بالعبودية لها ولا تطردني وإن لم أقم بشروط الوقوف ببابك للسؤال .
( 27 ) إلهي تقدس رضاك عن أن تكون له علة منك فكيف تكون له علة مني ؟ أن الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنياً عني ؟ .
أي تنزه رضاك الذي هو إرادة الإحسان عن أن تكون له علة منك لأن القديم لا يكون مسبوقاً بشيء فكيف تكون له علة مني كأعمالي وأحوالي ؟ فرضا المولى لا يتوقف على سبب ولا علة بل رضاه وسخطه هما سبب أعمال العاملين حسنها وسيئها رضي عن قوم فاستعملهم في خدمته وسخط على قوم فأبعدهم عن حضرته ثم علل ذلك بقوله : أنت الغني بذاتك الخ .
( 28 ) إلهي أن القضاء والقدر غلبني وإن الهوى بوثائق الشهوة أسرني فكن أنت النصير لي حتى تنصرني وتنصر بي وأغنني بفضلك حتى أستغني بك عن طلبي .
يعني أن القضاء الذي هو إرادة الله مع التعلق في الأزل والقدر - بتحريك الدال المهملة - الذي هو إيجاد الله الأشياء على وفق إرادته غلبني أي غلبني كل منهما - وفي نسخة غلباني - وإن الهوى أي ميل النفس إلى شهواتها أسرني أي قيدني بالشهوة بالشهوة الشبيهة بالوثاق أي القيد الذي يقيد به الأسير وهذا اعتذار لا احتجاج أي اعتراف منه بنفوذ الحكم وقهر المشيئة وانتفاء الحول والقوة عنه وأنه لا يقدر على خلاص نفسه من شهواتها ولا يستطيع نصرتها ولذا أعقبه بقوله : فكن أنت النصير لي حتى تنصرني على النفس والهوى والشيطان وتنصر بي سائر أحبابي على ما ذكر فأكون سبباً لنفع