وجود آثارها من كفاية العبد ونصرته واللطف به .
( ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك ؟ أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك ؟ أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك ؟ أم كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت إليك ؟ أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت وإليك ؟ ) .
لما كان أعظم ما يتوسل - أي يتقرب به العبد إلى مولاه - فقره إليه في كل حال من الأحوال لكونه مقتضى العبودية بلا اشتباه قال المصنف : ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك ثم إنه ترقى عن هذا المقام ورأى أن التوسل بالفقر معلول عند العارفين الأعلام فإن توسل العبد به يقتضي شهوده له واعتماده عليه ورأى أيضاً أنه لا مناسبة بين المتوسل به والمتوسل إليه فقال : وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك ؟ فلا يصح التوسل بالفقر من هذا الوجه عند العارفين كما هو مقتضى الحقيقة والأول مقام السالكين وهو مقتضى الشريعة . ويناسب مقام العارفين ما حكي أن سيدي أبا الحسن الشاذلي دخل على شيخه سيدي عبد السلام فقال له : يا أبا الحسن بماذا تلقى الله تعالى ؟ فقال له : بفقري . فقال له الشيخ : والله لئن لقيت الله بفقرك لتلقينه بالصنم الأعظم ولا تصح حقيقة الفقر إلا بالغيبة عن الفقر وإلا كنت غنياً بفقرك . آه ثم أن المصنف ترقى إلى مقام الخليل المقتضي لترك الدعاء والتسليم إلى الملك الجليل فتعجب من نفسه في حال السؤال السابق وقال : أم كيف أشكو حالي وهو لا يخفى عليك ؟ فإن الخليل لما قال له جبريل : - عندما أراد النمرود أن يلقيه في النار - سل مولاك . فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي . ثم تعجب أيضاً من كونه يسأل بقوله : أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك ؟ يعني أن العبد لا تنسب إليه الترجمة والسؤال فإن الذي أنطق لسانه إنما هو الكبير المتعال ومن أنطق لسانه عالم بأحواله فهو المسؤول الذي يتفضل عليه عند تحريك لسانه بحصول آماله ولذا قال : أم كيف تخيب آمالي - أي ما أؤمله وأرتجيه من كل ما يرام - وهي قد وفدت - أي توجهت - إليك كما تتوجه