ومما كتبه Bه لبعض إخوانه قوله : .
( الناس في ورود المنن على ثلاثة أقسام : فرح بالمنن لا من حيث مهديها ومنشئها ولكن بوجود متعته فيها فهذا من الغافلين يصدق عليه قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } ( 44 ) الأنعام وفرح بالمنن من حيث إنه شهدها منة ممن أرسلها ونعمة ممن أوصلها يصدق عليه قوله تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ( 58 ) يونس وفرح بالله ما شغله من المنن ظاهر متعتها ولا باطن منتها بل شغله النظر إلى الله عما سواه والجمع عليه فلا يشهد إلا إياه يصدق عليه قوله تعالى { قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } ( 91 ) الأنعام ) .
ص 192 .
يعني من الناس قسم فَرِحٌ - بفتح الفاء وكسر الراء منوناً - أي شديد الفرح بالمنن أي النعم لا من حيث مهديها ومنشئها وهو الله تعالى وإنما فرحه بسبب تمتعه بها فهذا الفريق أشبه شيء بالأنعام الذين يأكلون ويشربون ويغفلون عن صاحب الإنعام فربما كانت عليهم النعم استدراجاً فكلما أعطوا نعمة ازدادوا غفلة عن شكر المنعم حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر وقسم فرح بالنعم من حيث إنه شهدها منة وفضلاً ممن أرسلها إليه ونعمة ممن أوصلها لديه وهو الله تعالى فشكره سبحانه عليها وشرف بذلك ولكن انحط قدره حيث نظر إلى حظ نفسه في النعمة وارتكن إليها فإذا نزعت منه تغير عليها فهو مخاطب بما خوطب به أوساط المؤمنين في الآية الكريمة بقوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } ( 58 ) يونس . وقسم في غاية الشرف والكمال لم ينظر بعين البصيرة إلا للمنعم المفضال فلم يلتفت إلى ظاهر متعة النعم أي التمتع بها كالقسم الأول ولا إلى باطن منتها من حيث إنها منة من الله وعناية منه بهم كالقسم الثاني بل شغله النظر إلى الله تعالى عما سواه والجمع عليه بقلبه فلا يشهد إلا إياه لأن المشاهد للمنعم فان عن حظوظ نفسه فهو يرى الأشياء كلها نعماً لا فرق عنده بين وجود وعدم ولا منع وعطاء لا يخاف عليه من التغير والانقلاب لتغير الأفعال والأسباب فهو الذي يصدق عليه قوله تعالى : { قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } ( 91 ) الأنعام .
ص 193 .
وقد أوحى الله إلى داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : يا داود قل للصديقين بي فليفرحوا وبذكري فليتنعموا ) . يعني أن من كان كثير الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال فلا ينبغي أن يفرح إلا بكونه عبداً لذي العزة والجلال ولا يتلذذ إلا بذكر الكبير المتعال . فإنه إذا كان بهذه المثابة يبلغه سيده الآمال .
( والله تعالى يجعل فرحنا وإياكم به وبالرضا منه وأن يجعلنا من أهل الفهم عنه وأن لا يجعلنا من الغافلين وأن يسلك بنا مسلك المتقين بمنه وكرمه ) آمين