عليه وذم ما أعرض عنه ليحسن عنده عدم الالتفات إليه . ومن دعاء بعض العارفين لبعض السالكين : عرفك الله قدر ما تطلب حتى يهون عليك ما تترك . ( وإن من أيقن أن الله يطلبه ) بالقيام بوظائف العبودية ( صدق الطلب إليه ) أي صدق في الطلب بأن يتوجه إلى ما طلبه منه مولاه بصدق النية ( ومن علم أن الأمور بيد الله ) أي قدرته ومنها سعيه واجتهاده في الطاعة ( انجمع بالتوكل عليه ) أي انجمع عليه قلبه بالتوكل عليه سبحانه في تيسير أموره فقوله ( عليه ) تنازع فيه كل من الفعل والمصدر وهذا قيام بحق الحقيقة كما أن قوله ( صدق الطلب ) وفاء بحق الشريعة ومن ذلك قوله A : " اعقلها وتوكل " . ( وإنه لا بد لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه ) . هذه الجملة معطوفة على إن البدايات فهي - بكسر الهمزة - وقصده بها تسلية المريد عما يفوته في حال سلوكه من زهرات الدنيا الفانية فإنه إذا علم أن هذا الوجود الذي هو دار الدنيا الشبيه بالقصر المبني لا بد أن تنهدم دعائمه أي أركانه وأن تسلب كرائمه أي نفائسه طيّب نفسه بتركه وعدم النظر إليه واجتهد فيما يقربه في الدار التي لا فناء لها ويعود نفعه عليه .
( 256 ) ما كان ظاهر ذكر إلا عن باطن شهود وفكر .
( فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو يفنى قد أشرق نوره وظهرت تباشيره ) .
يعني أن العاقل هو الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة وإذا تحقق بهذا .
ص 181 .
المقام فقد أشرق نوره في قلبه وظهرت تباشيره المبشرة له بالقبول على وجهه .
( فصدف ) - بالدال المهملة والفاء - أي أعرض ( عن هذه الدار مغضياً ) - بالغين والضاد المعجمتين بعدهما تحتيه - أي غاضاً بصره عنها ولم ينظر إليها لقذارتها ( وأعرض عنها مولياً ) فلم يلتفت إليها بقلبه ( فلم يتخذها وطناً ) بظاهره على سبيل التمتع بها ( ولا جعلها سكناً ) ببطانة على جهة المحبة لها ( بل أنهض الهمة فيها إلى الله تعالى وسار فيها مستعيناً به تعالى لا بأعماله في القدوم عليه وهذا ابتداء سفره بقلبه إلى الحضرة العلية وقطع عقبات النفس مستعيناً به تعالى لا بأعماله في القدوم عليه والصول إلى حضرته القدسية فقد قيل : .
إذا لم يعنك الله فيما تريده فليس لمخلوق إليه سبيل .
وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ضللت ولو أن السماء دليل .
فمن اعتمد على عمله انقطع عن الوصول ومن اعتمد على فضل مولاه بلغه المأمول فما زالت مطية عزمه ) أي عزمه الشبيه بالمطية ( لا يقر قرارها دائماً تسيارها ) أي سيرها إلى الله فلا تستقر في محل يعوقها عنه من المقامات السنية والمكاشفات البهية ( إلى أن أناخت ) أي استقرت ( بحضرة القدس ) أي التطهير والتنزيه وهي حضرة الرب سبحانه وتعالى ( وبساط الأنس ) أي المؤانسة لكل واصل وقد وصف تلك الحضرة بقوله : ( محل المفاتحة والمواجهة والمجالسة والمحادثة والمشاهدة والمطالعة ) . قال بعض المحققين : المراد بالمفاتحة نداء الحق بمعاني أسمائه وصفاته والمواجهة إقبال الرب على العبد والمجالسة ملازمة ذكر الله تعالى : " أنا جليس من ذكرني " والمحادثة أن يتكلم في سره