ولذا استدل بقوله تعالى : { إِنَّ الْمُلُوكَ } أي : جنودهم . { إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } ( 34 ) النمل أي : أزالوا ما تلبس به أهلها من النعيم . وكذلك الواردات الإلهية شبيهة بجنود الملك فتقهر القلب على ترك تعلقه بالشهوات ولا تتركه حتى يستقيم . ثم وضح ذلك بقوله : .
( 217 ) الوارد يأتي من حضرة قهار لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } ( 18 ) الأنبياء .
يعني أن الوارد الإلهي الذي يرد على قلب العبد الذي أراد الله تخليصه من رق الأغيار يأتي من حضرة اسمه تعالى قهار - ومعناه الغالب - لأجل ذلك لا يصادمه شيء من رعونات البشرية إلا دمغه أي أصاب دماغه وفي ذلك إتلافه . وهو أيضاً حق ورد على باطل وقد قال تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } ( 18 ) الأنبياء أي ذاهب . فإذا وردت الواردات الربانية ذهبت بالطبائع العادية فيصير البخيل كريماً والجبان شجاعاً والحريص زاهداً والكسلان مجتهداً والغافل متيقظاً والمتسخط راضياً والمعتمد على الأسباب متوكلاً والمصر على المعاصي مستغفراً إلى غير ذلك من تبديل الخصلة السيئة بالحسنة حتى لا تصدر من المريد إلا الأمور المستحسنة .
وقد علمت أن هذا إنما يكون لمن أراد الله استخلاصه من الأغيار فلا ينافي قوله فيما تقدم : ( ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشواً بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت ) .
أسأل الله تعالى أن يمن علينا بجميل الهبات ويصلح فساد قلوبنا بجنود الواردات