و اقطع يأسك من ربك أن يعطيك غير ما قسم لك .
و قال : ليس يدلك على فهم العبد كثرة عمله و مداومة ورده . و إنما يدل على نوره و فهمه غناه بربه و تحرره من رق الطمع و تحليه بحلية الورع . و بذلك تحسن الأعمال و تصلح الأحوال .
قال الله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ( 7 ) الكهف .
فحسن الأعمال إنما هو بالفهم عن الله . و الفهم هو ما ذكرناه من الغنى بالله و الاعتماد عليه و الاكتفاء به و رفع الحوائج إليه .
( 192 ) إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فاتبعه فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً .
يعني : إذا التبس عليك أيها المريد أمران واجبان كطلب ما لابد منه من العلم والسعي على العيال أو مندوبان كطلب علم زائد على ما لا بد منه و الاشتغال بالنوافل فانظر أثقلهما على النفس فاتّبعه فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً أي أولى . فإن شأنها أن تميل إلى الحظوظ وتفر من الحقوق . وهذا بالنسبة لغير النفس المطمئنة وأما هي فقد يخف عليها عمل ما هو أولى فليكن نظر صاحبها حينئذ إلى ما هو أكثر فائدة وأعظم مزية . وقد ذكر بعضهم ميزاناً آخر تعرف به ما هو أولى بالتقديم من غيره عند الالتباس عليك وهو : أن تقدر نزول الموت بك في الوقت فأي عمل سرك أن تكون مشغولاً به إذ ذاك فهو حق وما سواه باطل لأن العبد لا يصدر منه في هذه الحالة إلا العمل .
ص 133 .
الصالح الخالص من شوائب الرياء كما هو مقتضى قصر الأمل الذي هو أصل حسن العمل .
إذا علمت ذلك علمت أن من يأخذ في علم غير متعين عليه و لا يجني ثمرته إلا في ثاني حال مع تمكنه في الحالة الراهنة من إيقاع طاعة تزيد مصلحتها عليه بعيد عن درجات الكمال .
نسأل الله السلامة من الغفلة في زمان المهلة فإنها مبدأ كل عمل فاسد ومنشأ وجود الغرة والجهالة لكل عالم وعابد .
( 193 ) من علامة اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات .
يعني : أن من علامة اتباع هوى نفسك - أيها المريد - المسارعة عند عقد التوبة إلى نوافل الخيرات من صيام وقيام ونحو ذلك والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات التي عليك كقضاء فائتة واستحلال من ظلامة اتباعاً لما خف على النفس وتركاً لما ثقل عليها فإن حظها في النوافل أن تذكر بها عند الناس بخلاف الفرائض فتحرم الوصول بتضييع الأصول . وقد قالوا : من كانت الفضائل أهم إليه من أداء الفرائض فهو مخدوع .
فاحذر يا أخي أن تكون ممن لم يشتغلوا برياضة نفوسهم التي خدعتهم ولم يعتنوا بمجاهدة أهوائهم التي أسرتهم والله يتولى هداك .
( 194 ) قيد الطاعات بأعيان الأوقات كي لا يمنعك عنها وجود التسويف ووسع عليك الوقت كي تبقى لك حصة الاختيار .
يعني : أنه سبحانه أنعم عليك بنعمتين عظيمتين الأولى : أنه قيد لك