( 188 ) ربما عبر عن المقام من استشرف عليه وربما عبر عنه من وصل إليه . وذلك ملتبس إلا على صاحب بصيرة .
يعني : أنه كما يعبر عن أي مقام من مقامات اليقين كمقام الزهد ومقام الورع ومقام التوكل من وصل إليه وتحقق فيه يعبر عنه من استشرف أي اطلع عليه وقارب الوصول إليه ولم يتحقق فيه . وذلك التعبير ملتبس على من بسمعه منهما إلا على صاحب بصيرة فإنه يرى في الكلام صورة المتكلم الباطنة من كمال أو نقص . ولذا قيل : تكلموا تعرفوا .
( 189 ) لا ينبغي للسالك أن يعبر عن وارداته فإن ذلك يقل عملها في قلبه ويمنعه وجود الصدق مع ربه .
يعني : أنه لا ينبغي للسالك أن يعبر عن الواردات التي ترد عليه من العلوم الوهبية والأسرار التوحيدية اختياراً منه . بل يصونها عن كل أحد إلا عن شيخه . فإن إفشاءها للغير يقل عملها في قلبه من التأثير المحمود فلا يحصل له كمال الانتفاع بها ويمنعه وجود الصدق مع ربه لأن النفس تجد عند التعبير بها لذة وانشراحاً فيغلب عليه حظ نفسه .
( 190 ) لا تمدن يدك إلى الأخذ من الخلائق إلا أن ترى أن المعطي فيهم مولاك فإذا كنت كذلك فخذ ما وافقك العلم .
أي لا تمدن يدك أيها - أيها المريد - المتجرد إلى الأخذ من الخلائق إلا بشرطين : أشار إلى الأول بقوله : إلا أن ترى أن المعطي فيهم مولاك فلا ترى العطاء الذي يصل إليك إلا منه وأن الخلق أسباب ووسائط فلا تعلق قلبك بهم وإلا كنت عبداً لهم . وأشار إلى الثاني بقوله : فخذ ما وافقك العلم أي .
ص 131 .
على أخذه . والمراد : علم الظاهر بأن لا تأخذ إلا من يد مكلف رشيد تقي وعلم الباطن بأن لا تأخذ إلا ما كان على قدر حاجتك بغير استشراف نفس .
( 191 ) ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه لاكتفائه بمشيئته فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته ؟ .
يعني : أن رفع الهمة لسالكي طريق الآخرة عن المخلوقين مما يوجب قربهم من رب العالمين . فإن العارف ربما استحيا من سؤال المولى D اكتفاء بما قضاه له في الأزل فكيف لا يستحيي من رفع حاجته إلى بعض من العبيد وهم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد . ولذا قال أبو علي الدقاق : من علامة المعرفة أن لا تسأل حوائجك قلت أو كثرت إلا من الله تعالى مثل موسى عليه السلام فإنه اشتاق إلى الرؤية فقال : { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ( 143 ) الأعراف واحتاج مرة إلى رغيف فقال : { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ( 24 ) القصص . وسئل الشاذلي عن الكيمياء فقال : أخرج الخلق من قلبك