يقال لي : أن سألتنا مالك عندنا فقد اتهمتنا وإن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت الثناء علينا وإن رضيت أجرينا لك من الأمور ما قضينا لك في الدهور .
( 174 ) ورود الفاقات أعياد المريدين .
يعني : أن أيام موارد الفاقات أي البلايا والمحن هي أعياد المريدين أي الأيام العائدة عليهم بالمسرات والأفراح . فإنهم يفرحون بالفاقات لما فيها من ذل النفس الموصل إلى رب البريات كما تفرح العوام بأيام الأعياد لما فيها من الشهوات التي توصل نفوسهم إلى بلوغ المراد . وما ألطف قول بعض العارفين : .
قالوا غداً العيد ماذا أنت لابسه فقلت خلعة ساق حبه جرعا .
فقر وصبر هما ثوباي تحتهما قلب يرى إلفه الأعياد والجمعا .
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم التزاور في الثوب الذي خلعا .
الدهر لي مأتم أن غبت يا أملي والعيد ما كنت لي مرأى ومستمعا .
( 175 ) ربما وجدت من المزيد في الفاقات ما لا تجده في الصوم والصلاة .
أي ربما وجدت - أيها المريد - في الفاقات من مزيد صفاء القلب وطهارة السريرة ما لا تجده في الصوم والصلاة . فإن الفاقات مباينة للهوى والشهوة على كل حال بخلاف الصوم والصلاة فإن حظ النفس قد يعتريهما فيحصل فيهما إخلال .
( 176 ) الفاقات بسط المواهب .
يعني : أن الفاقات تدخل المريد حظيرة القدس وتجلسه على بساط الأنس فتحصل له .
المواهب الربانية والنفحات الرحمانية . كما وضح ذلك بقوله : .
ص 125 .
( 177 ) أن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والحاجة لديك { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } ( 60 ) التوبة .
أي أن أردت ورود المواهب الربانية من الله تعالى عليك صحح الفقر والفاقة لديك بأن تتحقق بهما تحققاً تاماً فلا يكون عندك استغناء بغيره بوجه من الوجوه لقوله تعالى : .
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } ( 60 ) التوبة . وتقول في تضرعك : .
إني إليك مدى الأنفاس محتاج لو كان في مفرقي الإكليل والتاج .
ومن صدق الفقير أخذه الصدقة ممن يعطيه على الحقيقة وهو الله تعالى لأنه جعلها له فإن قبلها منه فهو الصادق في فقره لعلو همته وإن قبلها من الوسائط فهو المتوسم بالفقر مع دناءة همته . ثم زاد ذلك وضوحاً بقوله : .
( 178 ) تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه . تحقق بذلك يمدك بعزه . تحقق بعجزك يمدك بقدرته . تحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته .
أي تحقق - أيها المريد - بأوصاف عبوديتك يمدك بأوصاف ربوبيته . ثم فصل هذا المجمل بما بعده : فإذا جلست على بساط الذل وقلت : يا عزيز من للذليل سواك وعلى بساط العجز وقلت : يا قادر من للعاجز سواك وعلى بساط الضعف وقلت : يا قوي من للضعيف سواك وعلى بساط الفقر والفاقة وقلت : يا غني من للفقير سواك وجدت الإجابة كأنها طوع يدك فتصير عزيزاً بالله قادراً بالله قوياً بالله غنياً بالله إلى غير ذلك .
فيمدك بأوصاف الربوبية حيث تحققت بأوصاف العبودية