أي علم سبحانه أن العباد يتشوفون - بالفاء - أي يتطلعون إلى ظهور سر العناية التي مقتضاها الرحمة والولاية فيطلبون ذلك بالدعاء والأعمال الصالحة ويعتقدون تأثير ذلك فيه . فقال : { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } ( 105 ) البقرة زجراً لهم وقطعاً لطماعيتهم على حد قوله تعالى : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ( 124 ) الأنعام فلا علة لذلك من العباد . وعلم سبحانه أن لو خلاهم أي لو تركهم وذلك أي وملاحظتهم أنها خاصة ببعض الناس وليست عامة لتركوا العمل الذي هو مقتضى العبودية اعتماداً منهم على السابق في الأزل فقال : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ } ( 56 ) الأعراف . فجعل الإحسان بالأعمال الصالحة علامة على العناية الأزلية وإن لم يكن علة موجبة لها عند تحقيق القضية . فقم بما أدبك الله به وإن كنت في رقدة فانتبه .
( 171 ) إلى المشيئة تستند كل شيء ولا تستند هي إلى شيء .
يعني : أن أدب التوحيد أن يعتقد الإنسان أن كل شيء يستند إلى المشيئة فلا يكون شيء إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته أزلاً . وليست تستند هي إلى شيء من الموجودات لاستحالة وجود النقص فيما يجب له الكمال .
فإذا تحقق المريد بذلك تعلق بأحكام الأزل وطرح الأسباب والعلل ولزم العبودية والافتقار وترك التدبير والاختيار .
ص 123 .
( 172 ) ربما دلهم الأدب على ترك الطلب اعتماداً على قسمته واشتغالاً بذكره عن مسألته .
أي قد يكون من الأدب ترك السؤال والطلب لمن هو مستغرق في الأذكار راض بما يجري عليه من تصاريف الأقدار لما في الحديث القدسي : " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .
كما أنه قد يكون من الأدب السؤال والطلب لما في الحديث النبوي : " الدعاء مخ العبادة " فالتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال .
ثم علل ما ذكره من كون الأدب قد يكون في ترك الطلب فقال : .
( 173 ) إنما يذكر من يجوز عليه الإغفال وإنما ينبه من يمكن منه الإهمال .
أي إنما يحصل التذكير بالطلب لمن يجوز عليه الإغفال أي السهو وإنما ينبه على المراد منه من يمكن منه الإهمال . وكل من الإغفال والإهمال مستحيل على ذي العزة والجلال فلذا كان ترك الطلب عند بعض العارفين أدباً .
وقد سئل الواسطي Bه أن يدعو فقال : أخشى أن دعوت أن