فيضان النور . فإن الظاهر لذاته لا يحجب من ذاته .
وأنشدوا في هذا المعنى : .
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد إلا على أكمة لا يدرك القمرا .
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا وكيف يعرف من بالعزة اشتهرا .
( 166 ) لا يكن طلبك تسبباً إلى العطاء منه فيقل فهمك عنه . وليكن طلبك لإظهار العبودية وقياماً بحقوق الربوبية .
أي لا تقصد بطلبك من الله أن يكون تسبباً أي سبباً موصلاً إلى العطاء منه تعالى فيقل فهمك عنه سبحانه . فإنه ما جعل الحكمة في الطلب ذلك وإنما الحكمة إظهار العبودية أي إظهار كونك عبداً فقيراً لا غنى لك عن سيدك وإن أعطاك كل مطلب . والقيام بحقوق الربوبية من التذلل والخضوع . ولذا قال الشاذلي : لا يكن همك في دعائك الظفر بقضاء حاجتك فتكون محجوباً وليكن همك مناجاة مولاك .
ثم علل كون الطلب لا يكون سبباً للعطاء بثلاث علل ينبغي عد كل واحدة حكمة في نفسها . فقال : .
( 167 ) كيف يكون طلبك اللاحق سبباً في عطائه السابق ؟ .
أي كيف يكون طلبك فيما لا يزال سبباً في عطائه في الأزل ؟ فإن تعلق الإرادة في الأزل تعلقاً تنجيزياً قديماً لا يكون الطلب سبباً فيه لتأخره عنه والسبب لا بد من تقدمه على المسبب .
( 168 ) جل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل .
أي جل حكم الله بحصول ما طلبه الداعي في الأزل أن ينضاف أي ينسب إلى العلل كالطلب . لأنه له الإرادة المطلقة والمشيئة النافذة .
ص 121 .
وأما العطاء المعلق على الطلب فالسبب في الحقيقة هو تعلق الإرادة في الأزل بأنك تدعوه فيما لا يزال لا نفس الطلب المتأخر .
( 169 ) عنايته فيك لا لشيء منك وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته ؟ لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال . بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال وعظيم النوال .
يعني : أن عنايته سبحانه بك في الأزل - بمعنى تعلق إرادته في الأزل بإعطائك ما تطلبه - كانت لا لشيء حصل منك يقتضي حصوله تلك العناية كالدعاء لأنك لم تكن حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته . ولم يكن في أزله إخلاص أعمال بدنية ولا وجود أحوال قلبية . بل لم يكن هناك إلا محض أي خالص الإفضال وعظيم النوال أي العطاء العظيم من المحسن المفضال . فليس الدعاء سبباً مؤثراً في المطلوب وإنما العبرة بما سبقت به إرادة علام الغيوب .
ولذا قال الواسطي : أقسام قسمت وأحكام أجريت كيف تستجلب بحركات أو تنال بسعايات ؟ .
( 170 ) علم أن العباد يتشوفون إلى ظهور سر العناية فقال : { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } ( 105 ) البقرة وعلم أن لو خلاهم وذلك لتركوا العمل اعتماداً على الأزل فقال : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ } ( 56 ) الأعراف