القبض الشبيه بالليل بجامع السكون في كل ما لم تستفده في إشراق البسط الشبيه بالنهار بجامع الانتشار . فإن صاحب البسط يحب نشر ما عنده من الأسرار و المعارف و ربما حصل له الحجب بذلك بخلاف صاحب القبض . و لذا آثره العارف . و لكن الأولى له أن يكل الأمر إلى مولاه و يختار ما يختاره له سيده و يرضاه . فإنه لا يدري أيهما أقرب إليه نفعاً كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة التي وردت في الآباء و الأبناء جمعاً .
( 151 ) مطالع الأنوار القلوب و الأسرار .
يعني : أن مواضع طلوع الأنوار المعنوية و هي نجوم العلم و أقمار المعرفة و شموس التوحيد إنما هي قلوب العارفين و أسرارهم فهي كالسماء التي تشرق فيها الكواكب بل تلك الأنوار المعنوية أشد إشراقاً في الحقيقة من الكواكب الحسية . وقد قال بعض العارفين : إذا كان الله تعالى قد حرس السماء بالكواكب والشهب كي لا يسترق السمع منها فقلب المؤمن أولى بذلك أي لأنه عرش تجلي الحق كما يشير إليه قوله سبحانه في الحديث القدسي : " ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن " فتأمل هذا الأمر الأعلى الذي أعطيه هذا القلب حتى صار لهذه الرتبة أهلاً ومن هنا قال أبو الحسن الشاذلي : لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع ؟ .
ص 114 .
( 152 ) نور مستودع في القلوب مدده من النور الوارد من خزائن الغيوب .
يعني أن النور على قسمين : نور يكشف الله به عن آثاره كنور الشمس - وسيأتي في الحكمة بعد هذه - ونور مستودع في القلوب وهو نور اليقين الذي أودعه الله في قلوب عباده العارفين ومدده الذي يستمد ويتزايد منه ضياء إنما هو من النور الوارد من خزائن الغيوب وهو نور الأوصاف الأزلية . كقوله فيما تقدم : أنار الظواهر بأنوار آثاره وأنار السرائر بأنور أوصافه . وكقوله هنا : .
( 153 ) نور يكشف لك به عن آثاره . ونور يكشف لك به عن أوصافه .
فالنور المدرك بالحواس كنور الشمس والقمر يكشف لك به عن آثاره وهي الأكوان فتستدل بالأثر على المؤثر .
وأما النور الذي يكشف لك به عن أوصافه فهو المستودع في القلوب من نور اليقين الذي يكشف لك به عن أوصافه الأزلية الجمالية والجلالية حتى تراها عياناً ولا تحتاج معه إلى دليل فإنك تشهد به المؤثر . وشتان بين النورين .
أسأل الله تعالى أن يرزقنا نور اليقين بجاه سيد الكونين . وما ألطف قول بعض العارفين : .
هذه الشمس قابلتنا بنور ولشمس اليقين أبهر نورا .
فرأينا بهذه النور لكن بهاتيك قد رأينا المنيرا .
( 154 ) ربما وقفت مع القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار .
أي ربما وقفت عن سيرها القلوب وهي نورانية مع الأنوار التي هي لطائف الأغيار من العلوم والأسرار الربانية فتحجب بها كما حجبت النفوس وهي ظلمانية بكثائف الأغيار أي بالأغيار الكثيفة كالشهوات والعادات الإنسانية . فالأنوار حجاب نوراني والعادات والشهوات حجاب ظلماني والحق وراء ذلك كله . كما قال بعض العارفين :