أنها موجودة لغيرها لا لذاتها فتنظر في الأكوان لتصل إلى معرفة الرحمن .
( 141 ) الأكوان ثابتة بإثباته وممحوة بأحدية ذاته .
يعني : أن الأكوان من حيث ذاتها عدم محض ولم تكن ثابتة إلا بإثباته تعالى وإيجاده لها وظهوره فيها . فالثبوت لها أمر عرضي وإلا فهي في الحقيقة ممحوة بأحدية ذاته . فمن نظر إلى أحدية ذاته لم يجد للأكوان ثبوتاً وإنما لها ثبوت عند من نظر إلى الواحداية لأن الأحدية عند العارفين هي الذات البحت أي الخالصة عن الظهور في المظاهر وهي الأكوان والواحدية هي الذات الظاهرة في الأكوان فيكون للأكوان حينئذ ثبوت باعتبار ظهور الحق فيها . ولذا يقولون : الأحدية بحر بلا موج والوحدانية بحر مع موج فإن الحق سبحانه عندهم كالبحر والأكوان كالأمواج التي يحركها ذلك البحر فهي ليست عينه ولا غيره . هذا هو توحيد العارفين . وقد كرر المصنف الكلام عليه في هذا الكتاب وأبرزه في عبارات مختلفة محاولة على أن يحق عندك الحق ويبطل الباطل .
وقد أفرده بعضهم بالتأليف وتكلم على وحدة الوجود بما لا مزيد عليه آه شرقاوي .
( 142 ) الناس يمدحونك لما يظنونه فيك فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها .
يعني أن الناس إنما يمدحونك - أيها المريد - لما يظنونه فيك من الأوصاف .
ص 110 .
الحميدة فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها من العيوب والقبائح العديدة ولا تغتر على كل حال من الأحوال بمدح المادح فإنه السم القتال لأن من فرح بمدح نفسه أوقعها في الغرور وساق إليها ما لا يطاق من أنواع الشرور . بل قل إذا مدحك المادحون : اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون ولا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما لا يعلمون .
( 143 ) المؤمن إذا مدح استحيا من الله أن يثنى عليه بوصف لا يشهده من نفسه .
أي : المؤمن الحقيقي إذا مدحه الناس بوصف ليس فيه عد ذلك من إحسان الله عليه واستحيا منه تعالى أن يثني الناس عليه بوصف محمود لا يشهده من نفسه فيرجع على نفسه بالمقت والاستحقار ويكثر الشكر لربه الذي أظهر له محاسن عند الناس لم يكن له عليها اشتهار فينال بذلك الشكر المزيد مع سلامته من السكون إلى ثناء العبيد .
( 144 ) أجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس .
يعني : أن من ترك يقين ما عنده من عيوب نفسه لظن ما عند الناس أي للظن الذي عند الناس من صلاح حاله فهو أكثر الناس جهلاً لأنه قدم الظن على اليقين وقدم ما عند غيره على ما يعلمه من نفسه وهذا من الضلال المبين . وقد حكي أن بعض الحكماء مدحه بعض العوام فبكى فقال تلميذه : أتبكي وقد مدحك فقال له : إنه لم يمدحني حتى وافق بعض خلقي خلقه فلذلك بكيت . فانظر بعين بصيرتك فقد نبهك الحكيم العليم .
( 145 ) إذا أطلق الثناء عليك ولست بأهل فأثن عليه بما هو أهله .
أي إذا أطلق مولاك ألسنة الناس بالثناء عليك ولست بأهل للثناء لعلمك