( 131 ) لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلاً للقبول .
أي لولا ستره تعالى الجميل لم يكن عمل من الأعمال أهلاً للقبول لفقد شرطه من الإخلاص . فإن العبد مبتلى بنظره إلى نفسه وفرحه بعمله من حيث نسبته إليه وشهوده حوله وقوته عليه وهذا من الشرك الخفي القادح في الإخلاص . فينبغي للمريد أن يعتمد على فضل الله وكرمه لا على اجتهاده وعمله .
( 132 ) أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصبته .
أي أنت - أيها العبد - إلى حلمه تعالى في حال عملك بطاعته أحوج منك إلى حلمه في حال تلبسك بمعصيته لأن طاعتك ربما تكون مصحوبة بنظرك إلى نفسك واستعظام عملك وذلك يوجب الخسة وسقوط المنزلة عند ربك . وأما معصيتك فقد تكون مصحوبة باضطرار وافتقار مقرونة بذلة واحتقار وذلك يوجب الشرف والرفعة عنده سبحانه . وفي هذا زيادة تحذير من رؤية استحقاق الوصول بالأعمال فإنه جهل مركب لا يسلم منه إلا كمل الرجال .
( 133 ) الستر على قسمين : ستر عن المعصية وستر فيها . فالعامة يطلبون من الله تعالى الستر فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق والخاصة يطلبون من الله الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق .
يعني : أن العامة يطلبون الستر في المعصية خوف اطلاع الناس عليهم فهم { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ } ( 108 ) النساء . قال ابن عباس في قوله تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ( 19 ) غافر . هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإذا رأى من القوم غفلة .
ص 105 .
لحظ إليها . وهذا شأن المرائين الذين يستخفون بنظر الجبار ويهابون الناس أن يطلعوا عليهم فيما يرتكبونه من الأوزار . وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها بأن يجعل بينهم وبينها حاجباً حتى لا تخطر بقلوبهم خشية سقوطهم من نظر الملك الحق . وإلى هذا المعنى أشار أبو الحسن الشاذلي في دعائه بقوله : اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعصية وأسبابها وذكرنا بالخوف منك قبل هجوم خطراتها واحملنا على النجاة منها ومن التفكر في طرائقها .
( 134 ) من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك .
أي من أكرمك من العباد بعطاء أو محبة فإنما أكرم فيك جميل ستره تعالى أي ستره الجميل عليك فإنه لولا جميل ستره ما نظروا بعين الرضا إليك بل لو نظروا إلى ما فيك من العيوب لاستقذروك ونفروا منك وطرحوك . فلا تعبثك رؤية إكرام الخلق لك لجهلهم بعيبك على حمدهم على ذلك دون حمد ربك فتضع الحمد في غير موضعه فإن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك . وإنما تحمده من حيث إجراء الخير على يديه فقط لا من حيث إنه المكرم الحقيقي إذ ليس ذلك إلا الله . قال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ } ( 53 ) النحل .
( 135 ) ما صحبك إلا من صحبك وهو بعيبك عليم وليس ذلك إلا مولاك الكريم . خير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه .
يعني : ليس الصاحب الحقيقي إلا من صحبك وأقبل عليك بإحسانه