في بعض الأوقات فإن الفرائض يمتنع فعلها في غير أوقاتها والنوافل لا ينبغي فعلها في وقت الكراهة . وإنما فعل ذلك ليكون همك إقامة الصلاة أي تعديل أركانها وتوفير شروطها وتكميل آدابها ظاهرة وباطنة بقدر الطاقة لا وجود صورة الصلاة فقط فما كل مصل مقيم لأنك قد علمت أن المقيم للشيء هو القائم به على وجه الكمال من غير نقص ولا إخلال . فتلوين العبادة وتحجيرها نعمتان على المريد يزول بهما الملل والشره القاطعان عن حسن طاعة العزيز الحميد . وإنما مثل المصنف بالصلاة دون سائر العبادات لكثرة وقوع ذلك فيها أو لكونه أراد أن يذكر شيئاً من فوائدها بقوله : .
( 119 ) الصلاة طهرة للقلوب من أدناس الذنوب واستفتاح لباب الغيوب .
يعني : أن الصلاة التامة المستوفية للشروط والآداب المشتملة على الخشوع والخضوع للعزيز الوهاب طهرة أي مطهرة للقلوب من الذنوب الشبيهة بالأدناس . قال تعالى : { أن الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } ( 45 ) العنكبوت . وفي الحديث : " إنما مثل الصلاة كمثل نهر عذب يمر بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات أترون ذلك يبقي من درنه شيئاً " وقوله : واستفتاح أي طلب فتح لباب الغيوب عطف مسبب على سبب لأن القلوب إذا طهرت وتزكت رفعت عنها الحجب والأستار فترى ما كان غائباً عنها من المعارف والأسرار .
ص 97 .
( 120 ) الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار . علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها وعلم احتياجك إلى فضله فكثر أمدادها .
يعني : أن الصلاة هي محل مناجاة العبد لربه بتلاوة كلامه والثناء عليه ومعدن المصافاة معه بتوجهه بكليته إليه وبقدر إقبال العبد يكون إقبال الرب وثمرتها إذا كانت على الوجه الأكمل أنها تتسع فيها ميادين الأسرار أي تتسع فيها القلوب الشبيهة بالميادين للفرسان بمعنى أنها تنشرح بتوارد الأسرار أي العلوم والمعارف التي تتسابق إليها كتسابق الفرسان وهذا يتسبب عن كونها تشرق أي تطلع فيها شوراق الأنوار أي الأنوار الشبيهة بالكواكب الشارقة . فإن الأنوار إذا أشرقت في القلوب انشرحت لما يرد عليها من العلوم والمعارف . وهذه العبارات الست التي هي من فوائد الصلاة معانيها متقاربة أتى بها لتكون كالدليل لما قاله : من أن المأمور به إنما هو إقامة الصلاة لا وجودها . فإن الصلاة المعتبرة هي صلاة الخاشعين لا صلاة الغافلين . فإن الله تعالى يقول في كتابه المكنون : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهونَ } ( 5 ) الماعون . ثم قال : علم وجود الضعف منك - أيها العبد - فقلل أعدادها بجعل الخمسين خمسة وعلم احتياجك إلى فضله وكرمه فكثر أمدادها - بفتح الهمزة جمع مدد - أي ثوابها وأسرارها فجعلها خمساً في الفعل وخمسين في الأجر . فاحمده على ما أنعم واشكره على ما تفضل وتكرم .
( 121 ) متى طلبت عوضاً على عمل طولبت بوجود الصدق فيه ويكفي المريب وجدان السلامة .
أي متى طلبت - أيها المريد - من مولاك عوضاً أي ثواباً على عمل عملته كما هو شأن التجار طولبت منه بوجود الصدق أي الإخلاص فيه من شهود