له بالألم إحساس ؟ أم كيف لا يتلذذ به ؟ كما يتلذذ بالنعمة سائر الناس . كما قال في التنوير : .
وخفف عني ما ألاقي من العنا بأنك أنت المبتلي والمقدر .
وما لامرئ عما قضى الله معدل وليس له منه الذي يتخير .
يعني : أن علمك - أيها المريد - بأنه سبحانه هو المبلي لك يخفف ألم البلاء عنك . فإن الذي واجهتك منه الأقدار أي الأمور المقدرة عليك من مرض ونحوه هو الذي عودك حسن الاختيار أي اختيار الأمر الحسن الذي يلائمك فاتهم نفسك إذا ظننت خلاف ذلك وسلم الأمر تسلم فإن مولاك الحكيم بمصالحك منك أعلم . قال تعالى : { وَعَسى أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ( 216 ) البقرة .
( 106 ) من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره .
أي من ظن انفكاك لطفه تعالى وتخلفه عن قدره عليه وأنزله به من البلايا والمحن فذلك الظن إنما حصل له لقصور نظره الناشئ عن ضعف اليقين . فإن العارفين يشهدون المنن في المحن والعطايا في البلايا بل كثيراً ما يتلذذون بها لما يعقبها من المزايا فإنها توجب شدة قرب العبد من مولاه لأنه يكثر التضرع عند نزولها به والالتجاء إلى من يعلم سره ونجواه ويستعمل حسن الصبر والرضا والتوكل على من أراد له هذا القضا إلى غير ذلك من طهارة القلوب . وفي هذا من أنواع اللطف ما لا ينكره إلا كل محجوب . فإن ذرة من أعمال القلوب خير من أمثال الجبال من أعمال الجوارح . وفي .
ص 89 .
الحديث : " إذا أحب الله عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه " .
( 107 ) لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك .
أي لا يخاف عليك - أيها المريد - أن تلتبس أي تشتبه الطرق الموصلة إلى الله تعالى عليك لأنه سبحانه بينها بإنزال الكتب وإرسال الرسل وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك حتى يعميك عن رؤيتها . كما قال البلخي : الطريق واضح والحق لائح والداعي قد أسمع فما التحير بعد هذا إلا من العمى . وما ألطف قول بعضهم : .
وآفة العقل الهوى فمن علا على هواه عقله فقد نجا .
وقال آخر : .
ص 90 .
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى إلى كل ما فيه عليك مقال .
( 108 ) سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور البشرية وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية .
أي تنزه عما لا يليق به مولانا الحكيم الذي ستر بحكمته سر الخصوصية أي سراً هو الخصوصية التي خص بها أولياءه من المعارف والأسرار بظهور البشرية أي الأحوال التي تعرض للبشر فقد يكون بعض الأولياء خواصاً مثلاً ليستر خصوصيته بهذه الصفة التي يتعاطاها فلا يعرفه كثير من الناس ولولا هذا الستر لكان سر الله مبتذلاً غير مصون . وقد قالوا لا بد للشمس من سحاب وللحسناء من نقاب . وقوله : وظهر بعظمة الربوبية أي بربوبيته العظيمة . في إظهار العبودية أي في إظهار آثار العبودية على عباده . وهي الأحوال التي تطرأ عليهم فتقتضي افتقارهم إلى ربهم . فبعجزك تتحقق قدرة مولاك وبفقرك تحقق غناه وبذلك تتحقق عزه . وهكذا فعظمة الربوبية إنما ظهرت للعباد من وراء حجاب العبودية .
( 109 ) لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك .
أي إذا دعوت ربك وطلبت منه شيئاً من الأشياء ولم تظهر لك الإجابة فلا تطالبه أي لا تعترض عليه وتسيء الظن به بسبب تأخر مطلبك أي ما طلبته منه فإنه لا يسأل عما يفعل . ولكن طالب نفسك واعترض عليها بسبب تأخر أدبك فلو تقدم الأدب لما تأخر المطلب . ومن أدبك في الطلب عدم طلب الإجابة فإن الطالب إنما يقصد بدعائه إظهار العبودية فقط . ومنه عدم رؤية الاستحقاق لما تطلب فإن رؤية الاستحقاق توجب إدلالك عليه