تجلى للقلب وارد الجلال حصل فيه القبض وإذا تجلى له وارد الجمال حصل فيه البسط . والمقصود هاهنا أنهما وصفان ناقصان بالنسبة إلى ما فوقهما وهو فناؤه عن نفسه وبقاؤه بالله . فإن بقاء العارف مع شيء من أوصافه المؤنسة أو المؤلمة حجاب عن مولاه .
( 81 ) العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا قليل .
يعني : أن العارفين في مقام البسط أكثر خوفاً من أنفسهم في مقام القبض لأن البسط فيه مناسبة لهوى أنفسهم فيخافون حينئذ من الوقوع فيما تدعو إليه من التحدث بالأحوال والكرامات وربما كان في ذلك الطرد عن علي الدرجات ولهذا تأكد عليهم مراعاة الأدب في هذا المقام الذي زلت فيه أقدام كثير من السادة الفخام . وأما القبض فهو أقرب إلى وجود السلامة كما بين ذلك المصنف بقوله : .
( 82 ) البسط تأخذ النفس منه حظها بوجود الفرح والقبض لا حظ للنفس فيه .
فإن النفس متى أخذت حظها من البسط لا تتمالك حتى تقع في سوء الأدب من التحدث بإدراك المقامات والحصول على خوارق العادات وغير ذلك مما هو مناف للعبودية بخلاف القبض فإنه لا حظ للنفس فيه بالكلية ولذا آثره العارفون على البسط كما قال بعضهم : القبض حق الحق منك والبسط حظك منه ولأن تكون بحق ربك خير من أن تكون بحظ نفسك .
( 83 ) ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك .
أي ربما أعطاك مولاك ما تميل إليه من الشهوات فمنعك التوفيق لعظيم القرب والطاعات . وربما منعك من شهواتك فأعطاك التوفيق الذي هو بغية .
ص 78 .
السالك . وحينئذ فيجب على المريد ترك التدبير وتفويض الأمر إلى العليم الخبير . ولا ينظر لظاهر العطاء قبل أن ينكشف عنه الغطاء .
( 84 ) متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء .
أي متى فتح لك مولاك باب الفهم عنه في المنع بأن فهمت أنه بمنعه أشهدك قهره وعرفت حكمته فيه عاد المنع أي صار عين العطاء . كما سيقول المصنف : متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره .
( 85 ) الأكوان ظاهرها غِرَّةٌ وباطنها عبرة فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها والقلب ينظر إلى باطن عبرتها .
يعني : أن الأكوان بمعنى المكونات التي فيها حظ للنفس من متاع الدنيا وزهرتها . ظاهرها غِرَّةٌ - بكسر الغين المعجمة - أي سبب في الاغترار بها لحسنها وبهجتها وباطنها عبرة أي سبب في الاعتبار بها لقبحها وخستها . فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها أي إلى غرتها الظاهرة فتغتر بها حتى تهلك صاحبها . والقلب أي العقل ينظر إلى باطن عبرتها أي إلى عبرتها الباطنة فيعتبر بها ويسلم من شرها . فمن نظر إلى ظاهرها قال : حلوة خضرة ومن نظر إلى باطنها قال : جيفة قذرة .
( 86 ) أن أردت أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى .
العز الذي لا يفنى هو الغنى عن الأسباب كلها بوجود مسببها فالتعلق به سبحانه عز لا يفنى . وأما التعلق بالأسباب مع الغيبة عن مسببها فهو العز الذي يفنى . وليس لك - أيها المريد - إلا أحدهما لأنهما ضدان لا يجتمعان . فإن اخترت التعلق بمسبب الأسباب فنعمت الحالة التي تكون عليها . وإن اخترت التعلق بالأسباب خذلتك وأسلمتك أحوج ما تكون إليها . وما ألطف قول بعض العارفين :