الباب السادس عشر ـ في هتوف الجن بنبوته صلى الله تعالى عليه و سلم .
من هم الجن ؟ .
و الجن من العالم الناطق المميز يأكلون و يتناكحون و يتناسلون و يموتون و أشخاصهم محجوبة عن الأبصار و إن تميزوا بأفعال و آثار إلا أن يخص الله تعالى برؤيتهم من يشاء و إنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية و ما تخيلوه من آثارهم الخفية قال الله تعالى فيما وصفه من إنشاء الخلق : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم } يريد بقوله : { لقد خلقنا الإنسان من صلصال } آدم أبا البشر عليه السلام .
خلق الإنسان و خلق الجان : .
و في الصلصال و جهان أحدهما : أنه الطين النابت و الثاني : أنه الطين الذي تسمه النار و الحمأ جمع حمأة و فيها وجهان أحدهما : أنه المنصوب القائم فيكون صفة للإنسان و الثاني : أنه المنسوب فيكون تمييزا للجنس و قوله : { والجان خلقناه من قبل } يعني من قبل آدم لأن آدم خلق آخر الخلق .
و في الجان وجهان أحدهما : أنه إبليس و الثاني : انه أبو الجن فآدم أبو البشر و الجان أبو الجن و إبليس أبو الشياطين .
و في قوله : { من نار السموم } وجهان أحدهما : من نار الشمس و الثاني : نار الصاعق بين السماء و بين حجاب دونها فلم يختلفوا في أن الجن يتناسلون و يموتون و منهم مؤمن و منهم كافر .
و اختلف في الشياطين فزعم قوم أنهم كفار الجن يتناسلون و يموتون و زعم آخرون أنهم غير الجن و أنهم من ولد إبليس .
و اختلف من قال بهذا في تناسلهم و موتهم فذهب فريق إلى أنهم يتناسلون و يموتون و ذهب آخرون إلى أنهم كإبليس لا يموتون إلا معه و أن تناسلهم انقطع بإنظار إبليس إلى يوم يبعثون .
فإن أنكر قوم خلق الجن و لم يؤمنوا بالكتب الإلهية قهرتهم براهين العقول و حجج القياس لأن الله تعالى أنشأ خلق العالم من أربعة أجرام جعلها أصولا لما خلق من العالم الحي و هي الأرض و الماء و الهواء و النار .
و العالم نوعان اتفاقا : علوي و سفلي فالعالم السفلي نوعان خلقهما من جرمين أحدهما : من الأرض و هو ما عليها من الحيوان و الثاني : من الماء و هو ما فيه من السموك و هما هابطان لهبوط الأرض و الماء و ظاهران لظهور أصلهما و استمر القياس فيهما .
و بقي العالم العلوي جرمان : الهواء و النار و قد استقر خلق الملائكة من الهواء فاقتضى معقول القياس أن يكون خلق الجن من النار لتكون الأجرام الأربعة أصولا لخلق أجناس أربعة و لعلو الهواء كان عالمه من الملائكة علويا و لخفائه كان خفيا لا يهبط إلا عن أمر إلهي و لا يعاين إلا بمعونة إلهية و لعلو النار في أصل هابط كان لعالمه من الجن علو و هبوط و لخفاء كمونها خفي عالمها عن العيان إلا بمعونة إلهية فصار أصلان من الأربعة محسوسين بالعيان و هما على الأرض و في الماء و أصلان معقولين بالقياس و هما الملائكة و الجن و لو لا أن دافع ذلك عادل عن الدلائل الشرعية لما عدلنا عنها إلى هذا الاستدلال الخارج عن البراهين الشرعية .
الجان مكلفون : .
فإذا ثبت خلق الجان بما دللنا عليه من شرع و معقول فهم مكلفون لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم تحداهم بالقرآن بقوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } و قال تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } .
و في صرفهم وجهان أحدهما : أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب و لم يصرفوا عنه بعد عيسى إلا بعد بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فقالوا : ما هذا الحادث في السماء إلا لحادث في الأرض علموا به تجديد النبوة فجابوا الأرض حتى وقفوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ببطن مكة عامدا إلى عكاظ و هو يصلي الفجر فاستمعوا القرآن و رأوه كيف يصلي و يقتدي به أصحابه فعلموا أنه لهذا الحادث صرفوا عن استراق السمع برجوم الشهب و هذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه .
السورة التي استمع لها الجن : .
و حكى عكرمة أن السورة التي كان يقرأها : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } و الوجه الثاني : أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله تعالى حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة فنزل عليه جبريل بهذه الآية و أخبره بوفود الجن و أمره بالخروج إليهم فخرج و معه ابن مسعود حتى جاء الحجون عند شعب أبي ذر قال ابن مسعود فخط على خطا و قال لا تجاوزه و مضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى لم أره فعلى الوجه الأول لم يعلم بهم حتى أتوه و على الوجه الثاني أعلمه جبريل قبل إتيانهم و اختلف أهل العلم في رؤيته لهم و قراءته عليهم .
فحكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يرهم و لم يقرأ عليهم و إنما سمعوا قراءته حين مروا به مصليا .
و حكى عن ابن مسعود أنه رآهم و قرأ عليهم القرآن و في قوله : { فلما حضروه قالوا أنصتوا } و جهان : أحدهما فلما حضروا قراءته القرآن قالوا : أنصتوا لسماعه .
و الوجه الثاني : فلما حضروا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم قالوا أنصتوا لسماع قوله فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين و فيه وجهان : .
أحدهما : فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين به .
و الثاني : لما فرغ من قراءته القرآن ولوا إلى قومهم منذرين و قالوا ما حكاه الله تعالى عنهم { إنا سمعنا قرآنا عجبا } في فصاحته و بلاغته و الثاني عجبا في حسن مواعظه .
النبي كان عام الرسالة : .
و في قوله { يهدي إلى الرشد فآمنا به } وجهان : أحدهما إلى مراشد الأمور و الثاني إلى معرفة الله تعالى فثبت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم كان عام الرسالة إلى الإنس و الجن فلم يختلف أهل العلم أنه يجوز أن يبعث إليه رسولا من الإنس .
و اختلفوا في جواز بعثة رسول منهم فجوزه قوم لقول الله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } و منع آخرون منه و هذا قول من جعلهم من ولد إبليس و حملوا قوله : { ألم يأتكم رسل منكم } على الذين لما سمعوا القرآن ولوا إلى قومهم منذرين .
فأما كفارهم فيدخلون النار و أما مؤمنوهم فقد اختلفوا في دخولهم الجنة و حكى سفيان عن ليث أنهم يثابون بها الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصا منها ثم يقال لهم كونوا ترابا كالبهائم .
استراق الجن للسمع في السماء : .
فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول يسترقونه و لذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد كانت لهم يقربون فيها من السماء كما قال الله تعالى : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء فيلقونها إلى الكهنة : { فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } يعني بالشهب الكواكب المحرقة و بالرصد الملائكة .
فأما استراقهم للسمع بعد بعث الرسول فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين : أحدهما : أنه زال استراقهم للسمع و لذلك زالت الكهانة و الثاني : أن استراقهم باق بعد بعث الرسول و كان قبل الرسول لا تأخذهم الشهب لقول الله تعالى : { فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } و الذي يستمعونه أخبار الأرض دون الوحي لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم لقوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } و اختلف على هذا في أخذ الشهب لهم هل يكون قبل استراقهم للسمع أو بعده فذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهب تأخذهم قبل استراق السمع حتى لا يصل إليهم لانقطاع الكهانة بهم و تكون الشهب منعا عن استراقه .
الشهب تأخذ المسترقين للسمع : .
و ذهب آخرون منهم إلى أن الشهب تأخذهم بعد استراقه و تكون الشهب عقابا على استراقه و فيها إذا أخذتهم قولان أحدهما : أنها تقتلهم و لذلك انقطعت الكهانة بهم و الثاني : أنها تجرح و تحرق و لا تقتل و لذلك عادوا لاستراقه بعد الاحتراق و لولا بقاؤهم لانقطع الاستراق بعد الاحتراق و يكون ما يلقونه من السمع إلى الجن دون الإنس لانقطاع الكهانة عن الإنس و في الشهاب الذي يأخذهم قولان : أحدهما : أنه نور يمتد لشدة ضيائه ثم يعود و القول الثاني : أنه نار تحرقهم و لا تعود فهذا خطب الجن فيما هم عليه من نعت و حكم .
هتوف الجن برسول الله : .
فأما هتوفهم برسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فهو من آيات نبوته فإن كان قبل مبعثه كان من نذر آياته الصادرة عن إلهام فمن هتوفهم بنبوته ما حكاه إبراهيم بن سلامة عن إسماعيل بن زياد عن ابن جريج عن ابن العباس Bهما أنه كان يحدث عن رجل من خثعم قال : كانت خثعم لا تحل حلالا و لا تحرم حراما و كانت تعبد أصناما فبينا نحن عند صنم منها ذات ليلة نتقاضى إليه في أمر قد شجر بيننا إذ صاح من جوف الصنم صائح يقول : .
( يا أيها الركب ذوو الأحكام ... ما أنتم وطائش الأحلام ) .
( و مسندو الحكم إلى الأصنام ) .
( هذا نبي سيد الأنام ... يصدع بالحق و بالإسلام ) .
( أعدل ذي حكم من الأحكام ) .
( و يتبع النور على الإظلام ... سيعلن في البلد الحرام ) .
( قد طهر الناس من الآثام ) .
قال الخثعمي ففزعنا منه و خرجت إلى مكة و أسلمت مع النبي صلى الله تعالى عليه و سلم .
قصة سواد بن قارب مع رئيه من الجن : .
و من بشائر هتوفهم : ما رواه عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن كعب قال : بينما عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ذات يوم جالسا إذ مر به رجل فقيل له : اتعرف هذا المار يا أمير المؤمنين ؟ قال : و من هو ؟ قالوا : هذا سواد بن قارب من أهل اليمن و كان له رئي من الجن فأرسل إليه عمر فقال : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين فقال : أنت الذي أتاك رئيك بظهور النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين النائم و اليقظان إذ أتاني رئي من الجن فضربني برجله و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالي واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم من لؤي بن غالب يدعوا إلى الله تعالى و إلى عبادته و أنشأ يقول : .
( عجبت للجن و تطلابها ... و شدها العيس بأقتابها ) .
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذابها ) .
( فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قدامها كأذنابها ) .
فقلت له : دعني فإني أمسيت ناعسا و لم أرفع بما قال رأسا .
فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي و اعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم من لؤي بن غالب يدعوا إلى الله تعالى و إلى عبادته و أنشأ يقول : .
( عجبت للجن و تخبارها ... و شدها العيس بأكوارها ) .
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو الجن ككفارها ) .
( فارحل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها و أحجارها ) .
فقلت دعني فقد أمسيت ناعسا و لم أرفع بما قال رأسا .
فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله و قال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي و اعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعوا إلى الله تعالى و إلى عبادته و أنشأ يقول : .
( عجبت للجن و تجساسها ... و شدها العيس بأحلاسها ) .
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها ) .
( فارحل إلى الصفوة من هاشم ... و اسم بعينيك إلى رأسها ) .
قال فأصبحت و قد امتحن الله تعالى قلبي للإسلام فرحلت ناقتي و أتيت المدينة فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و أصحابه فقلت : اسمع مقالتي يا رسول الله قال هات فأنشأت : .
( أتاني نجي بين هدو و رقدة ... و لم أك فيما قد نجوت بكاذب ) .
( ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك رسول من لؤي بن غالب ) .
( فشمرت من ذيل الإزار و وسطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب ) .
( فأشهد أن الله لا شيء غيره ... و أنك مأمون على كل غائب ) .
( و أنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب ) .
( فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى ... و إن كان فيما جاء شيب الذوائب ) .
( و كن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب ) .
ففرح رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و أصحابه بمقالتي فرحا شديدا حتى رؤي الفرح في وجوههم قال فوثب إليه عمر فالتزمه و قال : قد كنت أحب أن أسمع منك هذا الحديث فهل يأتيك رئيك اليوم فقال : منذ قرأت القرآن فلا و نعم العوض كتاب الله من الجن .
من بشائر هتوف الجن : .
و من بشائر هتوفهم : ما رواه إبراهيم بن سلامة عن إسماعيل بن زياد عن ابن جريج عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب حدث يوما في مجلس بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فقال : خرجنا قبل مظهر النبي صلى الله تعالى عليه و سلم بشهرين إلى الأبطح بمكة معنا عجل نريد ذبحه و نحن نفر فلما ذبحناه و تصاب دمه و مات إذ صاح من جوفه صائح يا زريح يا زريح صائح يصيح بصوت فصيح نبي يظهر الحق يفيح يقول لا إله إلا الله .
فصاح كذلك ثلاث مرات ثم هدأ صوته و تفرقنا و رعبنا منه فلم يلبث النبي صلى الله تعالى عليه و سلم أن ظهر .
فقال رجل من القوم : لا تعجب يا أمير المؤمنين خرجت و أصحاب لي في تجارة لنا و نحن أربعة نفر نريد الشام حتى إذا كنا ببعض أودية الشام قرمنا إلى اللحم قرما شديدا قبل مظهر النبي صلى الله تعالى عليه و سلم فإذا بظبية قد عرضت لنا مكسورة القرن فلم نزل بها حتى أخذناها قال : فو الله إننا نتآمر بذبحها إذ هتف هاتف فقال : .
( يا أيها الركب السراع الأربعة ... خلوا سبيل الظبية المروعة ) .
( فإنها لطفلة ذات دعة ... خلوا عن العضبان فقدامي سعة ) .
ثم قال خلوا عنها فو الله لقد رأيت هذا الوادي و ما يمر فيه أقل من خمسين رجلا حتى كنتم به قال فأرسلناها فلما أمسينا أخذ بأزمة رواحلنا حتى أتى بنا إلى حاضر لجب كثير الأهل فأطعمنا من الثريد ما أذهب قرمنا ثم خرجنا حتى قضى الله تجارتنا فصحبنا رجل من يهود فلما كنا بذلك الوادي هتف هاتف فقال : .
( إياك لا تعجل و خذها موبقه ... فإن شر السير سير الحقحقه ) .
( قد لاح نجم فاستوى في مشرقه ... يكشف عن ظلما عبوس موبقه ) .
( يدعو إلى ظل جنان مونقه ) .
فقال اليهودي : ندرون ما يقول هذا الصارخ ؟ قلنا : ما يقول ؟ قال : يخبر أن نبيا قد ظهر خلافكم بمكة فقدمنا فوجدنا النبي صلى الله تعالى عليه و سلم بمكة .
هاتف سمعته قريش : .
و من بشارئر هتوفهم : ما حكاه أبو عيسى قال سمعت قريش في الليل هاتفا على أبي قبيس يقول : .
( فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف ) .
فلما أصبحوا قال أبو سفيان : من السعدان سعد بكر و سعد تميم ؟ فلما كان في اللية الثانية سمعوه يقول : .
( أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف ) .
( أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف ) .
( فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات زخارف ) .
فلما أصبحوا قال أبو سفيان هما و الله سعد بن معاذ و سعد بن عبادة .
و من بشائر هتوفهم : ما رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن أسماء بنت أبي بكر قالت : ما علم المشركون من أهل مكة أين توجه رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم حين هاجر إلى المدينة حتى هتف هاتف بعد ذلك بأيام فقال : .
( جزى الله خيرا و الجزاء فريضة ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد ) .
( هما دخلاها بالهدى و اهتدى به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ) .
( ليهن بني كعب محل فتاتهم ... و مقعدها للمسلمين بمرصد ) .
و قالت أسماء ما علم المشركون من أهل مكة بوقعة بدر حتى هتف هاتف من جبال مكة و فتيان يشمرون بمكة فقال : .
( أزال الحنيفيون بدرا بوقعة ... سينقض منها ملك كسرى و قيصرا ) .
( أصاب رجالا من لؤي و جردت ... حرائر يضربن الترائب حسرا ) .
( ألا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد ذاق حزنا في الحياة و حسرا ) .
( و أصبح في هامي العجاج معفرا ... تناوبه الطير الجياع و تنقرا ) .
فعلموا بذلك و ظهر الخبر من الغد و لئن كانت هذه الهتوف أخبار آحاد عمن لا يرى شخصه و لا يحج قوله فخروجه عن العادة نذير و تأثيره في النفوس بشير و قد قبلها السامعون و قبول الأخبار يؤكد حجتها .
هتوف الجن من البشائر : .
فإن قيل : إن كانت هتوف الجن من دلائل النبوة جاز أن تكون دليلا على صحة الكهانة .
فعنه جوابان أحدهما : أن دلائل النبوة غيرها و إنما هي من البشائر بها و فرق بين الدلالة و البشارة إخبارا و الثاني : أن الكهانة عن مغيب و البشارة عن معين فالعيان معلوم و الغائب موهوم