الباب الرابع في مدح الصبر والحث عليه .
وإذ قد قدمنا ذم الهوى وأمرنا بمخالفة النفس ولا إمكان لمخالفتها وترك هواها إلا بالصبر فلنقل في فضله وشرفه والأمر به والله الموفق .
الصبر في اللغة الحبس وكل من حبس شيئا فقد صبره ومنه المصبورة التي نهى عنها وهي الدجاجة ونحوها تتخذ غرضا وترمى حتى تقتل وسمى رمضان شهر الصبر لأنه شهر تحبس فيه النفس عما تنازع إليه من المطعم والمشرب والمنكح والصابر حابس لنفسه عما تنازع إليه من المشتهى أو شكوى ألم وسمى الصابر في المصيبة صابرا لأنه حبس نفسه عن الجزع .
وحكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال إنما سمى الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم .
واعلم وفقك الله أن الصبر مما يامر به العقل وإنما الهوى ينهى عنه فإذا فوضلت فوائد الصبر وما تجلب من الخير عاجلا وآجلا بانت حينئذ فضائل العقل وخساسة الهوى .
واعلم أن الصبر ينقسم قسمين صبر عن المحبوب وصبر على المكروه فالطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها والمعصية مفتقرة إلى الصبر عنها .
ولما كانت النفس مجبولة على حب الهوى فكانت بالطبع تسعى في طلبه افتقرت إلى حبسها عما تؤذي عاقبته .
ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى وتلمح عقبي الصبر فحينئذ يهون عليه ما صبر عليه وعنه