وهذه النفس لا يستأسرها الهوى فإن أمالها طبعها أقامها فكرها وانتاشها من يده عقلها وفهمها لأنها تتفكر فيما قد نابها فتتلمح منتهاه وترى غايته وليس من شأنها الوقوف لأنها في السير أبدا تترقى من علم إلى علم والعاشق واقف مع صورة جامدة عن التحرك والعارف بالله سبحانه في السير لا يفتر ولا ينكر أن يقوى طبعه عليه في حال وتميل به المحبة للصور أحيانا غير أنه لا يصير أسيرا إنما يميل يسيرا .
قال بعض الحكماء ليس العشق من أدواء الحصفاء إنما هو من أمراض الخلعاء الذين جعلوا دأبهم ولهجهم متابعة النفس وإرخاء عنان الشهوة وإمراج النظر في مستحسنات الصور فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس ثم تألف ثم تتوق ثم تلمح فيقال عشق وليس هذا من صفات الحكماء لأن الحكيم من استطال رأيه على هواه وتسلطت حكمته على شهوته فرعونات طبعه مقيدة أبدا كصبي بين يدي معلمه أو عبد بمرأى سيده وما كان الشعق قط إلا لارعن بطال وقل أن يكون لمشغول بصناعة أو تجارة فكيف لمشغول بالعلوم والحكم فإنها تصرفه ذلك ولهذا لاتكاد تجده في الحكماء .
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثني هارون بن محمد قال أخبرني أبو عبد الله القرشي قال حدثني الحكم قال قيل لرجل من بني عامر هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله الحب فقال إنما يموت من الحب هذه اليمانية الضعاف القلوب .
قال ابن عقيل العشق مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة والمتلمحة للصور لدواع من النفس ويساعدها إدمان المخالطة فتتأكد الألفة