( وثلمت بالروع حيطانه ... وفرقت بالخوف حجابه ) .
لكن حجاب الغفلة الذي غطى القلوب كثيف فلا يرى ما وراءه والوقر الذي في الآذان عظيم فلا يسمع من ناصح دعاءه .
روى في الصحيح عن النبي A أنه قال يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا قال فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله A ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) وأشار بيده إلى الدنيا .
وقال البخاري ( وهم في غفلة ) وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون .
فانظر رحمك الله إلى عظيم هذه الغفلة وكثافة حجابها وكيف منعت من النظر في هذا الحديث والفكرة فيه والعمل بمقتضاه .
وقد بكى أولو الألباب على هذا فأكثروا وسهروا من أجله الليالي الطويلة وأسهروا ورام عاذلوهم كفهم عما هم فيه فلم يقدروا وكلموهم في الإقصار فلم يقصروا ولم يسمعوا ولم يبصروا وذلك للعلم الذي لاح لهم والتأييد الذي شملهم والتوفيق الذي قطع عنهم ما صدهم عن طريق الله D وشغلهم وربما هبت عليهم نفحات الرجاء فاستبشروا وسكنوا من ذلك الهيجان وفتروا ثم ذكروا ما هم معرضون له فعادوا لما كانوا عليه من الاجتهاد وربما زادوا عليه وأكثروا .
ومع هذا فإنهم لشدة خوفهم وكثرة جزعهم يحسبون كل صيحة عليهم ويظنون كل إشارة إنما يشار بها إليهم