Bهم فالأمر فيه قريب إذا ما من علم إلا وقد أحدث فيه اصطلاحات لأجل التفهيم كالحديث والتفسير والفقه ولو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعدية وفساد الوضع إلى جميع الأسئلة التي تورد على القياس لما كانوا يفقهونه .
فإحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح كإحداث آنية على هيئة جديدة لاستعمالها في مباح وإن كان المحذور هو المعنى فنحن لا نعني به إلا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق وصفاته كما جاء في الشرع فمن أين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل وإن كان المحذور هو التشعب والتعصب والعداوة والبغضاء وما يفضي إليه الكلام فذلك محرم ويجب الاحتراز عنه كما أن الكبر والعجب والرياء وطلب الرياسة مما يفضي إليه علم الحديث والتفسير والفقه وهو محرم يجب الاحتراز عنه ولكن لا يمنع من العلم لأجل أدائه إليه وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة بها والبحث عنها محظورا وقد قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم وقال D ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وقال تعالى هل عندكم من سلطان بهذا أي حجة وبرهان وقال تعالى قل فلله الحجة البالغة وقال تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه إلى قوله فبهت الذي كفر إذ ذكر سبحانه احتجاج إبراهيم ومجادلته وإفحامه خصمه في معرض الثناء عليه وقال D وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وقال تعالى قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا وقال تعالى في قصة فرعون وما رب العالمين إلى قوله أولوا جئتك بشيء مبين وعلى الجملة فالقرآن من أوله إلى آخره محاجة مع الكفار فعمده أدلة المتكلمين في التوحيد قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وفي النبوة وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وفي البعث قل يحييها الذي أنشأها أول مرة إلى غير ذلك من الآيات والأدلة .
ولم تزل الرسل صلوات الله عليهم يحاجون المنكرين ويجادلونهم قال تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن فالصحابة Bهم أيضا كانوا يحاجون المنكرين ويجادلون ولكن عند الحاجة .
وكانت الحاجة إليه قليلة في زمانهم وأول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة إلى الحق علي ابن أبي طالب Bه إذ بعث ابن عباس Bهما إلى الخوارج فكلمهم فقال ما تنقمون على إمامكم قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم فقال ذلك في قتال الكفار أرأيتم لو سببت عائشة Bها في سهم أحدكم أكنتم تستحلون منها ما تستحلون من ملككم وهي أمكم في نص الكتاب فقالوا لا فرجع منهم إلى الطاعة بمجادلته ألفان .
وروى أن الحسن ناظر قدريا فرجع عن القدر .
وناظر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رجلا من القدرية .
وناظر عبد الله بن مسعود Bه يزيد بن عميرة في الإيمان قال عبد الله لو قلت إني مؤمن لقلت إني في الجنة فقال له يزيد بن عميرة يا صاحب رسول الله هذه زلة منك وهل الإيمان إلا أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والميزان وتقيم الصلاة والصوم والزكاة ولنا ذنوب لو نعلم أنها تغفر لنا لعلمنا أننا من أهل الجنة فمن أجل ذلك نقول إنا مؤمنون ولا نقول إنا من أهل الجنة .
فقال ابن مسعود صدقت والله إنها مني زلة فينبغي أن يقال كان خوضهم فيه قليلا لا كثيرا وقصيرا لا طويلا وعند الحاجة لا بطريق التصنيف والتدريس واتخاذه صناعة فيقال أما قلة خوضهم فيه فإنه كان لقلة الحاجة إذا لم تكن البدعة تظهر في ذلك الزمان وأما القصر فقد كان الغاية إفحام الخصم واعترافه وانكشاف الحق وإزالة الشبهة فلو طال إشكال الخصم أو لجاجه لطال لا محالة إلزامهم .
وما كانوا يقدرون قدر الحاجة بميزان ولا مكيال بعد الشروع فيها وأما عدم تصديهم للتدريس والتصنيف فيه فهكذا كان دأبهم في الفقه والتفسير والحديث أيضا فإن جاز تصنيف الفقه ووضع الصور النادرة التي لا تتفق إلا على الندور إما إدخار اليوم وقوعها وإن كان نادرا أو تشحيذا للخواطر فنحن أيضا نرتب طرق