الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم الآية وكذلك قال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه .
السبب الثاني التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره .
فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالا خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلا ولكن لا يرضي بالترفع عليه .
السبب الثالث الكبر وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبرا بعد أن كان متكبرا عليه ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله A إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطيء رءوسنا فقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم // حديث سبب نزول قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ذكره ابن إسحاق في السيرة وإن قائل ذلك الوليد بن المغيرة قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدهما ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف فنحن عظماء القريتين فأنزل الله فيما بلغني هذه الآية ورواه أبو محمد بن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيريهما من حديث ابن عباس إلا أنهما قالا مسعود بن عمرو وفي رواية لابن مردويه حبيب بن عمير الثقفي وهو ضعيف // .
أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيما وقال تعالى يصف قول قريش أهؤلاء من الله عليهم من بيننا كالاستحقار لهم والأنفة منهم .
السبب الرابع التعجب كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر الأسباب وقالوا متعجبين أبعث الله بشرا رسولا وقالوا لولا أنزل علينا الملائكة وقال تعالى أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم الآية .
السبب الخامس الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال والجاه وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهه محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له .
السبب السادس حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر