أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة // حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته // .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه // حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه أخرجه أبو داود بنحوه // .
فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله A مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير // حديث غضبت عائشة فقال النبي A مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة // .
ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله A لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له // حديث علي كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم // .
فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري إذا كان القلب مشغولا بضروري أهم منه فلا يكون في القلب متسع للغضب لاشتغاله بغيره فإن استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الإحساس بما عداه .
وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب رجل أبا بكر Bه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولا بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة قدره .
وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان مشغولا بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكرا على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك .
فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذا يتصور فقد الغيظ إما باشتغال القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يعلم أن الله يحب منه أن لا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر